إلى المال، وأنا امرؤ ربتني أمي - رحمها الله - على الاعتماد على النفس والاستغناء عن الناس، وبغضت إلى الاستدانة وكل ضروب الاستعانة بالغير فلم أجد لي حيلة إلا أن أسع ما اقتنيت من كتب، ورأى بعضهم عندي نسخة الأغاني هذه، فألحف في طلبها، فأبيت أن أبيعها، فلم يزل يزيد في الثمن ويرتفع به، حتى أغراني، وما كاد يخرج بها، حتى طار عقلي، وندمت أشد الندم، فإنها ثمرة تعبي سبع سنوات، ولكن أمي فاءت بي إلى السكينة وقالت لي:(الست قد قرأتها؟ انتهينا إذن ولا داعي للأسف)! فجعلت بعد ذلك أعزي نفسي بقولي: إن فائدة القراءة كفائدة الطعام، والمرء يأكل ليصح بدنه، ولو أني نسيت اليوم ما أكلت في أمسي، لما منع ذلك أن الفائدة قد حصلت، وأن جسمي انتفع بما طعمت وكذلك العقل: يقرأ المرء ليستفيد علماً ويقوي مداركه وينمي ملكاته، ولا يمنع حصول الفائدة أنه نسي ما قرأ أو أن الكتاب غير موجود.
وحسبي هذه الأمثلة القلية، والحقيقة أننا أعطينا الحياة لنحياها، لا لننعم بها أو نسعد، ومعنى أن نحيا أن نعمل، ومؤدي العمل أن نكدح ونتعب، والأدب مطلب كسائر المطالب له وسائله، فلا معدي عن العناء في سبيله.