وسرعان ما وقعت على مسامعها كلمات كانت كالحكم عليها بالموت (هيا معي يا سمر. . ليس لك بقاء بعد اليوم في هذا البيت. . الترمل خير لك من العيش في هذا الجو الموبوء بالخداع واللؤم. . عمك يأبى إلا الاستيلاء على أطيب جزء من ميراث جدتك. . لقد أنذرته بفسخ زواجك من قبل إن هو أصر. .)
ولكن يا أبت. . ألا ننتظر عودة مراد؟. أليس له في الأمر شيء. .؟
له في الأمر شيء؟! ما هذا الجرأة يا بنية؟ أتجرئين على مجادلة أبيك ابتغاء مرضاة زوجك؟ - لا تزيدي حرفاً. انطلقي أمامي إلى دار أبيك.
أصابت الفتاة رعشة واعتراها دوار، فسارت أمامه متثاقلة وضاق أبوها ذرعاً بهذا البطء، فجذبها مسرعاً إلى حيث كانت بانتظاره المركبة. .
انطلقت الخيل تنهب الأرض نهباً، ولزمت الفتاة الصمت، بينما كان أبوها يصب جام غضبه على الحوذي ويتهمه بالبلادة والبطء ويتوعد باستعمال السوط!
تزاحمت الأفكار السوداء في رأس الفتاة الصامتة فداخلها الندم، لأنها تذوقت طعم السعادة، وودت لو أنها كانت تعسة في حياتها الزوجية، حتى كانت تفرح بالفرار منها والعودة إلى دار أبيها. . وأحزنها أنها لم تجد في حماتها شيطاناً مريداً، وأن زوجها لم يكن جبارا عتياً. .
وأخيراً عندما لاحت أبراج القصر خاطب الوالد فتاته بعطف إذ كانت قد بردت ثورة الغضب:
ألا تبتهجين بمرأى أمك يا سمر؟
ولما لم تنجح الفتاة في تكلف الانشراح خاطبها قائلا:
لا أشك في أن عمك قاسما وزوجك مراداً سيحضران إلينا خاضعين ذليلين عندما يشعران بفقدك، ولا أخالهما إلا قادمين قبل انطواء أسبوع واحد. .
ولكن مرت أسابيع واشهر، واكتملت دورة الأرض حول الشمس ومراد وأبوه لم يقدما، على أن الفتى كان يرغم إرغامًا على الخضوع لأبيه، إذ كان كالفتاة عبداً للتقاليد الجائرة.
وكانت الفتاة تتظاهر بالشجاعةوالابتهاج عندما شعرت بحزن أمها من اجلها. ولكن مجهود التكلف المضني والآلام المبرحة التي كانت تأكل قلبها سرعان ما أنهكت قواها وأفسحت