لآل عباد من الشهرة ومن الثروة ما كان لخمارويه وكافور الأخشيد. . واكتظت حجرة العروس بكرائم العقائل وكرائم الجواهر، وتعالت أصوات المغنيات البدينات بالغناء، وأخذن في الرقص والانثناء أمام العروس كالحيات. .
ولكن العروس كانت عن كل ذلك في شغل، فقد غلب عليها الخوف فتركت العنان لعبراتها، ولم يستغرب منها أحد هذا الأمر، لان بكاء العروس في ليلة الزفاف كان من الأشياء المألوفة المرغوبة، إذ كان يعد رمز الحياء ودليل الوفاء والطهر. . . ومن جفت دموعها في تلك الليلة فقد حكم عليه بالجرأة وغلظة القلب. .
ولم تلبث الحياة أن استعادت مجراها الطبيعي الهادئ وانقشعت سحب الرهبة والخوف التي طالما تجمعت في سماء حياة الفتاة قبل الزواج، إذ وجدت في قرينها من العطف والود ما أنساها شكوكها وملأها سعادة وحباً وإخلاصًا له. وفي ظل زوجها ورعايته نسيت أقوال أمها عن الحماة الشريرة، بل إنها وجدت في حماتها قديسة طاهرة لا تحمل في نفسها إلا التسامح والعطف. .
وهكذا نعمت الفتاة بعيشها، وساعدتها وداعتها ورقتها وطيب عنصرها على إدخال السرور من حولها. .
ومضت اشهر قلائل والفتاة لا تفكر في مرور الوقت ولا تكترث لمعرفة الايام، اذ لم تكن ترقب حدوث تغييًر أو وقوع جديد، لأنها كانت راضية عن حياتها كل الرضا، لا تعرف ولا تطمع في خير منها. . ولكن هل يغر بطيب العيش إنسان؟
خرج مراد كعادته مبكراً مشرق الجبين للإشراف على شؤون مزارعه، وجلست الفتاة في ردهة فسيحة أنيقة تخيط بعض الثياب لأطفال الفقراء، إذ كان لا يسعدها اكثر من رؤية ابتهاج الأطفال عند ارتدائهم الثوب الجديد، وإذا بها تسمع جلبة أصوات في فناء الدار، فأرهفت السمع، وسرعان ما تبينت صوت أبيها يتهدج بالغضب وعمها يجيبه بحدة، ثم انقلبت المحاولة إلى شجار عنيف وتقاذف بالتهم والعبارات الجارحة، فاضطرب فؤادها ونزلت مسرعة تبحث عن من يأتي بزوجها، إذ توقعت حدوث أمر رهيب، وشعرت بحاجتها لحمايته. ولكنها لم تكد تخطو خطوات حتى سمعت أباها يناديها بصوته الهائل الأجش فوقفت مذعورة لا تبدي حراكا. .