كان يوم جبريل باقرأ) ثم تراهم يقولون (بأن الغسل كان واجباً عليه لكل صلاة فسخ بالحدث الأصغر تخفيفاً فصار الوضوء ثم نسخ الوضوء لكل صلاة).
وهذا ما يتعارض مع قولهم السابق بالطبع إذ يعني هذا أن النبي كان يغتسل أولا للوضوء ولما شق عليه ذلك خفف عنه بالوضوء بالنسبة للحديث الأصغر. وظل الغسل مشروعاً بالنسبة للحدث الأكبر فقط وعلى المسلمين حتى اليوم.
ومعنى هذا أيضاً أن الوضوء لم يكن مفروضاً مع الصلاة مباشرة، بل كان النبي يغتسل أولا لكل صلاة، ثم خفف ذلك عنه بالوضوء. وقد كان هذا الغسل بمثابة طهارة عامة للجسم قبل الشروع في الصلاة. وكان عرب الجاهلية يفعلون ذلك قبل الطواف بالبيت. ثم نسخ الغسل بالوضوء. والظاهر أن هذا النسخ كان بالمدينة، فأصبح النبي والمسلمون يتوضأون من حين نزول الآية بدل الغسل.
وعندما نزلت الآية كان النبي وأصحابه يتوضأون لكل صلاة وقد شق عليهم ذلك فيما بعد، فلما كان يوم الفتح صلى الرسول الصلوات الخمس بوضوء واحد (فقال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه: فعلت شيئاً لم تكن تفعله، فقال عمداً فعلته يا عمر للإشارة إلى جواز الاقتصار على وضوء واحد للصلوات الخمس). ثم خفف الوضوء بالتيمم عند فقدان الماء. وقد نص على ذلك القرآن الكريم. فنرى من ذلك إذاً أن الأحكام الإسلامية كانت تسير من عسر إلى يسر، ومن صعب إلى سهل، حسب مقتضيات الظروف والأحوال.
وتشبه قضية الوضوء قضية قراءة سورة الفاتحة في الصلاة. إذ الفاتحة في الصلاة ركن من أركان الصلاة على أكثر الأقوال لحديث عبادة بن الصامت (لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) ولحديث أبي هريرة (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج. . .) وما دامت الفاتحة ركناً من أركان الصلاة فقد وجب أن يكون نزول الفاتحة مع نزول الأمر بالصلاة في يوم واحد. والحال إن نزول السورة كان بعد ذلك بمدة.
فسورة الفاتحة مكية وقيل مدنية وقيل مكية مدنية، وعل كل فهي سورة متأخرة عن الصلاة. ولا يعقل أبداً أن تكون ركنا من أركان الصلاة قبل عهد النزول، إذا فالفاتحة ركن منذ عهد النزول. وكذلك كان الوضوء فأهمل الفقهاء ذلك والمحدثون، وتصور الناس أن ذلك كان منذ أقدم عهود الصلاة. وهنالك إشارة وردت في الإتقان هي (أن جبريل حين حولت القبلة