لبابليون، ترك حصن الفرس القائم على الرصد وأنشأ قلعته علا الشاطئ النيل وذلك ليضمن وجود الماء بالقرب من حاميته وليستطيع تلك الحامية الاتصال - بواسطة النيل - بسائر وجهات القطر المصري وسمي هذا الحصن بحصن بابليون (أي حصن مدينة بابليون) أو قلعة مصر ? وقد حرف العرب هذا الاسم فيما بعد فسموه قصر الشمع.
٥ - وبذلك هجر حصن الرصد الفارسي واستولت عليه عوامل الانحلال والنسيان، حتى إذا كان الفتح العربي بعد ذلك بخمسة قرون ونصف قرن كانت الأخبار عن وجوده عامة لا تكاد تذكر.
٦ - أن اسم بابليون الذي وجده العرب عند قدومهم يطلق على مدينة مصر قد تلاشى بمرور الزمن وحل مكانه الاسم العربي الجديد (الفسطاط) حتى إذا ابتدأ مؤرخو العرب يدونون كتبهم كان اسم (بابليون) قد أصبح يطلق على قصر الشمع فحسب بعد أن انتزع من المدينة التي أصبحت بعد اتساعها ونموها تسمى بالفسطاط.
٧ - ولكن هذا الاستعمال المحدود للاسم ابتدأ كذلك يتلاشى في مصر في الأزمنة الحديثة وغادر الاسم لأنقاض الباقية من قصر الشمع؛ وتضاءل حتى غدا يطلق على دير قبطي صغير يقع عند البوابة الجنوبية من الحصن ويسمى (دير بابليون) وعند ذلك الدير الصغير استقر ذلك الاسم التاريخي القديم بعد أن خلفه في تسمية المدينة (لفظ الفسطاط) وبعد أن خلفه في تسمية الحصن لفظ (قصر الشمع).
ونحن لا يهمنا من هذا التحليل كله لتطور استعمال كلمة بابليون إلا أن نعرف أن المكان الذي أنشئت عليه الفسطاط كانت تشغله منذ أيام الفراعنة مدينة كبيرة ذات شأن؛ اتخذها البابليون مكاناً لاستقرارهم ثم اتخذها الرومان مقراً لدفاعهم يصلون به الوجهين البحري والقبلي ويدفعون منه كل مغير على مصر.
وهذا ما يؤيد الرأي الذي نريد أن نذهب إليه من أنه كان في مصر وقت الفتح مدينتان هامتان: إحداهما الإسكندرية وتعتبر العاصمة الأولى وذلك لقربها من الدولة الرومانية الشرقية صاحبة السيادة وقتذاك، ولإشرافها على البحر الأبيض المتوسط، وبابليون أو (مصر) وتعتبر العاصمة الثانية وذلك لموضعها من رأس الدلتا بحيث تشرف على الوجهين القبلي والبحري، ولوقوعها على الشاطئ النيل بحيث تكون سهلة الاتصال - بواسطة هذا