للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهر - بكل أطراف القطر المصري، ولتوسطها بين النيل غربا (وهو مورد من الماء لا ينفذ) وبين جبل المقطم شرقا - وهو حد طبيعي لحمايتها -؛ ولهذا نلاحظ أن المصريين منذ القدم كانوا يختارون هذا المكان مقراً لحكمهم للأسباب المتقدم ذكرها فاتخذوا منف عاصمة لهم مدة ليست بالقليلة، وكانت هليوبوليس (عين الشمس) كذلك حاضرة لمصر مدة طويلة، وبابليون كما ترى تقع بين المدينتين

ويؤيد هذا الرأي القائل بوجود هذه المدينة أيضاً قول المقريزي:

(وكان بجوار هذا الحصن (بابليون) من بحرية وهي الجهة الشمالية أشجار وكروم وصار موضعها الجامع العتيق، وفيما بين الحصن والجبل عدة كنائس وديارات للنصارى في الموضع الذي يعرف اليوم براشدة، وبجانب الحصن فيما بين الكروم التي بجانبه وبين الجرف الذي يعرف اليوم بجبل يشكر حيث جامع أبن طولون والكبش عدة كنائس وديارات للنصارى في الموضع الذي كان يعرف في أوائل الإسلام بالحمراء)؛ وقول ابن سعيد في كتبه المغرب: (وأما فسطاط مصر فإن مبانيها كانت في القديم متصلة بمباني عين شمس، وجاء الإسلام وبها بناء يعرف بالقصر حوله مساكن) لأننا نعرف أن المعابد عامة - من هياكل وبيع وكنائس وأديرة ومساجد - منذ أقدم العصور إلى اليوم لا تبنى إلا في المدن أو الأماكن الآهلة بالسكان؛ فوجود هذه الكنائس والديارات في الأماكن التي يذكرها المقريزي يثبت إثباتا قاطعا وجود مساكن آهلة ومبان عامرة في هذه المدينة القديمة وقت الفتح؛ وقول ابن سعيد لا يحتاج إلى هذا الاستنتاج إذ يقول في عبارة واضحة لا لبس فيها ولا إبهام (وجاء الإسلام وبها بناء يعرف بالقصر حوله مساكن).

من هذا كله نرى أن اختيار عمرو لهذا المكان لم يقع اعتباطاً، بل كان اختياراً طبيعياً؛ كان عمرو يريد أن يتخذ له حاضرة يستقر فيها غير أنه ما كان يريد أن يبذل جهداً جديداً في إنشاء هذه الحاضرة بدليل رغبته في اتخاذ الإسكندرية حاضرة، وبدليل تعبيره عن هذه الرغبة بقوله: (مساكن قد كفيناها)؛ ولكن عمر قد أمره أن يتحول عن الإسكندرية، فكان لزاماً على عمرو أن يحول وجهه شطر العاصمة الثانية وقتذاك وهي (بابليون) أو (مصر) فذهب إليها واتخذ الفضاء المجاور لها مقراً له ولجنوده.

هذه هي الأسباب الطبيعية التي دعت عمراً لاختيار هذا المكان غفل عن ذكراها مؤرخو

<<  <  ج:
ص:  >  >>