إلى بنها فسافر إليها وهو موقن بالهلاك، وكان معه عند طلبه الشيخ أبو العلاء الخلفاوي، فسافر معه لمؤانسته ومواساته، فلما وصلا قصر بنها روجع المترجم في الفتوى فأصر على قوله الأول، فأُمر بهما فانزلا إلى سفينة بخارية سافرت بهما ليلاً لنفي المترجم إلى أبى قير؛ واعتراه لشدة وجله زحير كاد يودي به وهو مع ذلك مصر على قوله، والشيخ أبو العلاء يهوُن عليه الأمر ويؤانسه بالكلام إلى أن صدر الأمر بإرجاع السفينة، وانزلا منها وأمرا بالسفر إلى القاهرة وسلم الله. فكانت هذه الحادثة سبباً لعلو المترجم في النفوس وأعظام الولاة فمن دونهم لشأنه؛ وتسبب منها إقباله على الشيخ أبي العلاء المذكور وسعيه له في المناصب التي تولاها وعظم بها أمره بعد ذلك.
ثم لما كانت سنة ١٢٨٧ والمتولي على القطر الخديو إسماعيل باشا، وكان انحرف عن الشيخ مصطفى العروسي شيخ الأزهر، فأراد عزله ولكنه خشي الفتنة، لأنه شيء لم يقع من قبل لأحد من مشايخ الأزهر، فأخذ في جس نبض العلماء وسبر غورهم في ذلك، فهون عليه الشيخ حسن العدوى الأمر، وأوضح له انه وكيل الخليفة أن يعزل من يشاء والوكيل له ما للأصيل، فسر الخديو وبادر إلى عزل الشيخ العروسي في أواخر السنة المذكورة، وكان العدوى يطمع فيها، وما قال ما قال إلا توطئة لنفسه فأخلف الله ظنه، وصدر أمر الخديو في منتصف شوال بتولية المترجم والجمع له بين منتصب الإفتاء ومنصب الأزهر، فاستدعاه وخلع عليه وأنزله من عنده بالموكب المعتاد. فباشر شؤون منصبه بحزم وعزم وتؤدة وتعقل، وكان أول ما صدر منه سعيه لدى الخديو بإعادة ما كان لأهل الأزهر من المرتبات التي أبطلت زمن عباس باشا، فوافقه على ذلك وأعيدت المرتبات الشهرية والسنوية، ثم استصدر أمراً من الخديو بوضع قانون للتدريس، فأجابه إلى ذلك ووضع قانون الامتحان، وكانوا قبل ذلك لا يمتحنون بل كان من تأهيل للتدريس تصدّر له، فيحضر له، فيحضر أول درس له شيوخه وغيرهم من كبار العلماء، ويناقشونه فان وجدوه أهلاً أقروه وإلا أقاموه.
ولم يزل المترجم سائراً في طريقة المحمود، ملحوظاً بعين التبجيل من الحكام، وبين الخاص والعام، حتى ثارت الثورة العرابية المشهورة، ورأى فيه العرابيون أنه ليس بالرجل الذي يوافقهم ويساعدهم في مطالبهم، فكان من جملة ما طلبه عرابي باشا من