الخديو لما زحف بالجيش على قصر عابدين عزل المترجم من الأزهر، فعزل عنه المحرم سنة ١٢٩٩، وتولى عليه بدله الشيخ محمد الانبابي، وانفرد هو بالافتاء، ثم تجسمت الفتنة وجاهر العرابيون بطلب عزل الخديو، وكتبوا قراراً بذلك اجبروا العلماء والوجهاء على التوقيع عليه، فامتنع المترجم من موافقتهم على ذلك، وقال لحامل القرار: أنا لا أوقع بيدي، فإذا كان في الأمر غصب فان خاتمي معه خذوه ووقعوا انتم بأيديكم كما تشاءون.
فانحرف عنه العرابيون وضايقوه وبثوا عليه العيون حتى احتجب في داره التي على الخليج بالقرب من مدرسة الفخري المشهورة بجامع البنات، وتحامى الناس زيارته، وصار لا يخرج منها إلا لصلاة الجمعة في أقرب مسجد إليه؛ ومرت عليه أيام وليال قضاها في انتظار حتفه في كل ساعة تمر به، حتى كانت الهزيمة الكبرى على العرابيين، وتشتت شملهم، وعود الخديو إلى مقر ملكه في ١٢ ذي القعدة من تلك السنة، فذهب المترجم فيمن ذهب للسلام عليه وتهنئته بالظفر، ودخل مع العلماء فخصه الخديو بترحيب ورعاية زيادة عمن معه من العلماء تقديرا لحسن بلائه في الإخلاص له مدة الفتنة؛ ولحظ الشيخ الانبابي شيخ الأزهر إغماضا عنه من الخديو، وخشي أن يعزله ليعيد العباسي، فقال بيدي لا بيد عمرو، واستقال بعد أيام؛ فأصدر الخديو أمره يوم الأحد ١٨ منه بإعادة المترجم إلى الأزهر، علاوة على منصب الإفتاء الذي بيده، ونصه موجها لرئيس النضار:
(انه بناء على استعفاء حضرة الأستاذ الشيخ محمد ألانبابي من وظيفة مشيخة الجامع الأزهر، ووثوقنا بفضائل وعالمية حضرة الأستاذ الشيخ محمد العباسي المهدي، قد اقتضت إرادتنا توجيه هذه الوظيفة لعهدته كما كانت قبلا، علاوة على وظيفة إفتاء السادة الحنفية المتحلي بها من السابق، وصدر امرنا للمومى إليه بذلك في تاريخه، ولزم إصدار هذا لدولتكم إشعارا بما ذكر في ٢ أكتوبر سنة ٨٢ الموافق ١٨ ذي القعدة سنة ٩٩)
فتمت للمترجم رياسة الأزهر على رغم انف كثيرين، فان بعض علماء الأزهر سعوا لتنصيب الشيخ عبد الهادي نجا الابياري، وكتبوا كتابة بذلك واخذوا يوقعون عليها، ويطوفون بها علىالعلماء، فلم يشعروا إلا وقد فاجأهم الأمر بإعادة المترجم، وذهب سعيهم وتعبهم أدراج الرياح.
ثم استمر المترجم جامعاً للمنصبين قائماً بشؤونهما أتم قيام، حتى كانت سنة ١٣٠٤ وفيها