للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهرب لشدة البلوى إلا أبيات عمرو بن الأطنابة التي يقول فيها:

أبت لي همتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وإقحامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح

وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمي بعد عرض صحيح

وهل الأمجاد لولا الأدب الحي إلا أطلال؟

فقد مرت بتاريخ البشرية عصور يذكر فيها الفاتح واللعنة في أثر اسمه على الأفواه، والحاكم الداهية وبسمة الامتعاض والاشمئزاز تعلو الثغور، والسياسي الأريب وإمارات النفور تبدو على الأسارير، وذلك لأن أمجاد هؤلاء جميعاً لم تقم إلا على الدم المطلول أو الوعد الممطول أو العرض المبذول، ولقد دالت هاتيك الأمجاد ولم يبق إلا مجد الأدب. ألا رحم الله ابن الرومي القائل:

(أرى الشعر يحيي الناس والمجد بالذي=تبقيه أرواح له عطرات

وما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات)

تلكم هي منزلة الأدب في النفوس ومكانته في القلوب، وذلكم أثره البعيد في الناس.

فلا غرو إذن أن يخلد على الدهر ولا بدع أن يسلم على الزمن! وكيف لا يظل غض الإهاب بيان يستروح فيه الناس أعراف الجنة وأنسام الخلد، ويرون فيه ربيعاً سرمدياً منضر الجنبات، منور الحواشي؛ بيان سمح ينفس عن القلب المكروب، ويروح عن الفكر المجهود، ويمتع النفس اللاغبة، ويسمو بالروح من حضيض الغبراء إلى ذرى الجوزاء ويحلق بها في دنيا غير الدنيا وعالم غير هذا العالم. دنيا زاخرة بأطياف الأماني الغرر والأحلام الوضاء. وعالم رحب الأجواء، نير الرؤى، رخي النفحات، عباق النسمات بالأرج المحيى والشذى المعطار.

وهل الدنيا إلا صحراء لاهبة واحتها المخضلة هبات الفن السامي ونتاج العبقرية الخلاقة؟!

وهل العيش لولا تلكم النفثات العذارى التي يطرف العالم بها أرباب الفن وعباقرة الأدب إلا الشقاء الحرور، والغناء الفادح والوصب الممض؟!

كان الحسن البصري يقول ما مؤداه:

<<  <  ج:
ص:  >  >>