صاحب أمر الدار والمرسوم بالحجبة. فأتى خليفته فضربه مائة مقرعة. ثم قال: الحبس، ثم قال: هاتوا خليفته صاحب البريد، فأتى به، فضرب مائة مقرعة. ثم قال الحبس، ثم دعا بعلي بن صالح، وبصاحب البريد، وقال لهما: تقلدان خلافتكما في دار الخلافة من يضيع الأمور ويهملها. . . كنتما بهذا الأدب أحق من هذين! فقالا: وما كان من أمرهما الذي أنكرته أيها الأمير؟ قال: صاحب بريد، يقعد في دار الخلافة فيضحك ويقهقه، وصاحب الدار جالس لا ينكر. . .!)
وفي جميع هذه الأسباب ذكرت كتب الأدب أخباراً أخرى أخذنا منها ما يقوم به الدليل على ما ذهبنا اليه، ولم نعمد إلى التطويل.
أنواع السجون
نستدل مما أطلعنا عليه من النصوص أنه كان في بغداد أنواع منوعة من السجون. فهناك المطبق وهو حبس مظلم كبير، كان المنصور قد بناه بين طريق البصرة وطريق باب الكوفة. وباسمه سمى الشارع الذي يقع هذا السجن فيه. وكان متين البناء قوي الأساس. وبقى أهم سجون بغداد حتى عهد المتوكل). وكان فيها سجن آخر عند باب الشام، إذا ذكروه قالوا: السجن عند باب الشام وكان يهاجم دائماً. وكان عليه عثمان بن نهيك، وقتل في فتنة الراوندية فلما كان زمن المعتصم أمر أن يبني حبس في بستان موسى، كان القيم به مسروراً مولى الرشيد. يقول التنوخي (وكان هذا البناء يرى من دجلة إذا ركبها المرء وكان كالبئر العظيمة، قد حفرت إلى الماء أو قريب منه، وفيها بناء على هيئة المنارة مجوف من باطنه، وله من داخله مدرج قد جعل في مواضع من التدريج مستراحات، وفي كل مستراح شبيه بالبيت، يجلس فيه رجل واحد، كأنه على مقداره، يكون فيه مكبوباً على وجهه، وليس يمكنه أن يجلس ولا يمد رجله).
ثم بنوا سجناً آخر سموه السجن الجديد. وكان موضعه إقطاعاً لعبد الله بن مالك وبقى حتى جاء معز الدولة فهدم سوره سنة ٣٥٠، ونقل آجره إلى داره وبنى به، وفي سنة ٣٥٥ كتب إلى طاهر بن موسى أن يبني موضع الحبس المعروف بالجديد مارستاناً.
ولا نستطيع وصف ما فيها على التفصيل؛ وإنما نعلم أنها كانت ذات أقسام، فحبس للزنادقة، وحبس للعوام، وحبس للنساء، و. . .