وكان في المطبق الغرف الواسعات والضيقة. وكان فيه الآبار يسجن فيها. حدث يعقوب بن داود وزير المهدي قال حبسني المهدي، وذلك في المطبق. فدليت بحبل في بئر مظلمة لا أرى فيها الضوء قد بنيت عليها قبة، فكنت فيها خمس عشرة سنة.
وربما سجنوا في أماكن ومحال أخرى. فقد سجن سليمان ابن وهب في كنيف قال: فأخذني اسحق (بن إبراهيم، صاحب الشرطة) وحبسني في كنيف، وأغلق علي خمسة أبواب. فكنت لا أعرف الليل من النهار، وسجن المحسن بن أبي الحسن بن الفرات في كنيف داخل الحجرة، ودلوا في بئره رأسه بعد أن قيد وألبس جبة صوف غمست بالنفط. وربما سجنوا في الحجر الضيقة المظلمة، حدث أبو الحسن بن أبي الطاهر قال: قبض محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب في وزارته للقاهر بالله، على أبي وعليّ معاً فحبسنا في حجرة ضيقة، وأجلسنا على التراب.
وكان الحبس الذي سجن فيه المهدي إبراهيم الموصلي مكاناً شبيهاً بالقبر مملوءاً بالأفاعي والبق. ولما سير المنصور جماعة من أبناء علي إلى الكوفة وحبسوا في سرداب تحت الأرض، لا يفرقون فيه بين ضياء النهار أو سواد الليل.
وربما سجنوا في دار منفردة، كما فعلوا بأبي العتاهية لما طلب إليه الرشيد أن يتغزل فأبى ومنعوا دخول من يريد إليه.
ويذكر ابن الجوزي أن القاهر بنى المطامير ليحبس الجند فيها
وأناس آخرون كانوا لا يسجنون في هذه المحال. فقد كانوا يحبسون من يخافون عليه عند الوزراء. كما سجن عبد الملك بن صالح عند الفضل بن الربيع لما غضب الرشيد عليه، وكما سجن إبراهيم بن المهدي بعد القبض عليه وقبل العفو عنه، عند أحمد ابن أبي خالد. وربما أودعوا عند من يثق الخليفة به، كما فعل الرشيد عندما سجن موسى بن جعفر بدار السندي بن شاهك.
وكانوا يتخذون قصور الخلفاء سجوناً في بعض الأحايين. فقد حبس المستعين بن المعتصم، المعتز والمؤيد ابني المتوكل في حجرة من حجرات الجوسق الكبير. ويقول لسترانج إن الخلفاء (اتخذوا دار الشجرة التي شيدها المقتدر، حبساً رسمياً، وضعوا فيه أقرب أقربائهم احتياطاً من أعمالهم. وجعلوا في خدمتهم عدداً من الغلمان والخدم، وجهزوه تجهيزاً تاماً