للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفصحاء العرب وأبنائهم أن يستخدموه في مستوى رفيع فيه الوحدة والتناظر) أقول هذا الأمر الذي خشيه هو الشرط الأساسي في الإعجاز - وذلك أن القرآن نفسه جاء من جنس كلام العرب. ومن لغتهم وعلى طرق من القول صرفها لهم، وطائفة من الأمثال ضربها فيهم، ومن المقطوع به البتة أنهم كانوا يعلمون هذه الطرائق التي سار فيها القرآن لغة ومعنى وأسلوباً وخيالا ولو من طريق الإجمال - أو قل على حد تعبير المناطقة إنهم كانوا يعلمون هذا بالقوة، ولكنهم لا يعلمون، هذا بالفعل، ولعل هذا ما جعل النظام يرى أن العرب أو الناس صرفوا عن الإتيان بمثله ومن هذا يبين ويضح أن القرآن في إعجازه البشر وتحديه سلك طرائق مألوفة معهودة لهم. وهذا ضروري حتى يكون التحدي، وحتى يكون الإعجاز، إذ لا معنى في أن أتحداك أو أعجزك في لغة أو شيء ما لا تعرفه، بل يجب أن يكون موضوع التحدي والإعجاز مألوفاً معروفاً لك حتى يتم معنى الإعجاز والتحدي؛ وإذن فلا ضير ولا خطر أن يكون التصوير الفني في مستوى الصنعة البشرية ثم هو بعد وجه من وجوه الإعجاز على هذا النحو المبتدع الذي نحاة القرآن - بل هو غاية في الإعجاز وحماداه.

أقول وإذا كان التحدي من طريق ممكنة معهودة للمخاطبين كان أدخل، وأمعن، وأبلغ في باب الإعجاز.

وإذا كانت المعجزة يجب أن تخرق النواميس الطبيعية، وأن تشذ عن السنن المطردة في حوادث الكون كما يذكر الأستاذ العقاد - فهذا المعنى موجود ملحوظ في الأمور التي يتحدى للأعجاز كهذا الذي نحن بسبيله - فالشذوذ هنا والخرق لناموس الطبيعة أنهم عجزوا من حيث لا ينبغي أن يعجزوا.

٢ - يرى القارئ الفاضل مما تقدم أنني انتصرت للأستاذ قطب - وأعود الآن فأنتصر للأستاذ خلاف في البيان الذي سلكه في الآيات الكريمة: (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون. . . الخ آيات سورة الأنبياء التي جاءت في هذا المعرض فإن الأستاذ الفاضل نهج في تحليلها نهجاً لم يسبقه إليه أحد من المفسرين. ذلك أنه حلل الآيات إلى مقاطع وجمل محدودة - كل مقطع فيه استدلال خاص - قد استوفت فيه الآيات أنواع الاستدلالات المنطقية والوجدانية - ولم تترك مؤثراً يؤثر في الفعل والعاطفة إلا تناولته، لو كان هؤلاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>