نشرت مجلة (الرسالة) الغراء في أعدادها السابقة مناقشات علمية طيبة في موضوع على جانب كبير من الخطورة والإجلال، هو موضوع إعجاز القرآن بين الأستاذين الفاضلين خلاف وقطب
- وكنت متتبعاً باهتمام بالغ ما كتب الأستاذان، غير أني لحظت أموراً فيما كتبا. ذلك أن كلا منها قرر حقاً لا مراء فيه سوف أنبه إليه والعجب أن كليهما أخذ على صاحبه ذلك الحق ومارى فيه، دون مبرر لذلك إلا شدة الحرص على الرأي الفردي من غير نظر أو اعتبار لرأي الآخر؛ وهذا إسراف منهما.
١ - الأستاذ سيد قطب يقرر في كتابه أن (التصوير الفني) جانب كبير اعتمد عليه القرآن الكريم فيما ساق من وجوه الاستدلال في بيان أن ديكتاتورية الأولين من الشعوب الغابرة - لم يكن نصيبها إلا الانهيار، فهذا القصص البارع في معرض العظة والاعتبار بمن غبر من الأمم، وهذا الحوار التمثيلي الذي دار بين الحضر وموسى في سورة الكهف، والذي ساقه الله بين موسى وفرعون في سورة الشعراء؛ كل أولئك تصوير فني بارع معجز لأمراء البيان في جميع العصور الغابرة (ماضية أو آتية)؛ وإذن فهذا وجه آخر من وجوه إعجاز القرآن دون ريب، يضاف هذا الوجه الذي زاده الأستاذ سيد إلى وجوه الإعجاز الأخرى التي دونها العلماء - وهذا سداد في الرأي وتوفيق نهنئه عليه.
أنكر الأستاذ خلاف أن يكون التصوير الفني وجهاً غالباً من وجوه الإعجاز - واحتج لذلك بقوله لأنه (أي الربط بين التصوير وسر الإعجاز) يفسر إعجاز القرآن بأمور في مستوى الصنعة البشرية). فالتصوير الفني في نظر الأستاذ خلاف سبيل مألوفة للأدباء من البشر، وأسلوب من أساليبهم من الممكن أن يسلكوه وهنا كما يقول الأستاذ الخطر كل الخطر، ثم راح الأستاذ خلاف يؤيد إنكاره بكلمة للأستاذ العقاد رداً على الأديب الفذ المرحوم الرافعي قال (وإنما الأساس فيها المعجزة، والحكمة الأولى أنها تخرق النواميس المعروفة)
والأستاذ خلاف في هذا الإنكار مسرف، مجانب للحق والصواب - فليس ثمت خطورة كما يقول بل الأمر الذي أدرك منه خطورة، وهو كون التصوير الفني طريقاً مألوفة للبشر -