رسائل في الحادثة وأكثروا من الجلبة. ولم يقتصر الولاة على مشاورته في الأمور الدينية المختصة بمنصبه، بل كانوا يستشيرونه في غيرها من معضلات الأمور لما عرفوه فيه من سعة المدارك وجودة الرأي، حتى أن إسماعيل باشا لما عزل عن مصر قال لولده توفيق باشا فيما أوصاه به: احتفظ يا بني بالشيخ المهدي فأنه رجل لا نظير له. وبالجملة فمحاسن المترجم كثيرة، ولم يكن فيها ما يشينه، سوى ما كان يرميه به بعض شانئيه من الإمساك والتقتير، ويضعون عليه النوادر الخارجية عن حد المعقول، والمعروف عنه المشاهد للقاصي والداني أن داره كانت مفتوحة للصادر والوارد، لا تخلو مائدته يوماً عنهم، وحسبنا أنه كان يخرج زكاة أمواله كل سنة ويفرقها على المستحقين رحمه الله رحمة واسعة وأكثر في الأمة من أمثاله.
وكان حائزاً لكسوة التشريف من الدرجة الأولى، ومنحه الخديو عباس باشا الثاني الوسام العثماني الأول في ٢١ صفر سنة ١٣١٠ وهو شيخ الأزهر الشيخ محمد الانبابي، وقاضي القضاة جمال الدين افندي، وسبب ذلك ان السيد توفيقاً البكري نقيب الأشراف سافر في هذه السنة إلى دار السلطنة، وبرتبة قضاء عسكر الأناضول، وبرتبة قضاء عسكر الأناضول، فلما بلغ مسامع الخديو أحب أن لا يكون ممتازاً من كبار الشيوخ وهم القاضي والمفتي وشيخ الأزهر، فأنعم عليهم بهذا الوسام، وأرسل إلى السلطان ملتمساً الأنعام على المفتي وشيخ الأزهر برتبة قضاء عسكر الأناضول، وعلى القاضي برتبة قضاة عسكر الرومللي، لأنه كان حائزاً لرتبة الاناضول، لكن طلبه لم يصادف قبولاً.
أحيل على المترجم قديماً أمر انتقال القضاة الشرعيين والمفتين الذين يقامون في ولايات القطر ومراكزه، فكان يختار ذوي الكفايات يتحرى فيهم النجابة والذكاء والديانة، ويحامي عنهم لدى الحكام، ويشد أزرهم، فحصل له بذلك مقام لدى أهل العلم المرشحين لهذه المناصب، وقصدوه ووجهوا وجوههم شطر داره، وهو مع ذلك لا يميل مع الهوى في تنصيبهم، ولو كان ممن يمد اليد لجمع من هذا الوجه شيئاً كثيراً، ثم رأت الحكومة أن يكون أمر تنصيبهم منوطاً بلجنة تؤلف من بنظارة الحقانية برياسة وكيلها إذ ذاك بطرس غالي باشا، وعرضوا على المترجم أن يكون من أعضاء تلك اللجنة فأبى.
وكان له في المحاماة عن أهل الأزهر ومساعدتهم القدح المعلى، ونروي عنه مواقف في