ونمت بعدها ساعات، فلما كان الفجر، قمت إلى بيت صهري لأغتسل وأتهيأ للخروج إلى لجنة الامتحان، ولأضمن أن لا يتخلف أخي عن امتحانه، وخلعت ثيابي لأستريح قليلا.
وإذا بي أرى أخي كالمجنون يصيح بكلام غير مفهوم، وكان رأسي لا يزال ثقيلا مما مر بي في ليلتي، فسألته عن الخبر، فإذا هو معذور، ذلك أن خادماً في بيت صهري سرق سترته وحذاءه، وسرق بنطلوني وطربوشي، فصار من المستحيل علينا أن نخرج من البيت، فما لنا فيه ثياب أخرى، ولا جئنا إلا بما على أبداننا فما العمل؟ لقد ذهب اللص بثيابنا، وكأنما تعمد أن يسرق منها ما يكفي لمنعنا من الخروج. وكيف بالله يخرج أخي بغير سترة وحذاء؟ وكيف أخرج بغير بنطلون وطربوش؟
وأضحكني هذا، فإنه أشبه بالنكتة، أو بما يسميه العامة (المقلب).
ولم يبق إلا أن نحاول أن نستعير من بعض الجيران ثياباً نعود فيها إلى بيتنا، وهناك نستطيع أن نرتدي غيرها، ويذهب كل منا في سبيله.
وفعلنا بعد عناء، فقد كان الناس نياما بعد طول السهر، فأزعجناهم وكلفناهم شططاً، ولكن المضطر يركب الصعب.
وقد نسيت أن أقول إن بيت صهري كان على (تخوم العالمين) وعلى مقربة من مسجد الإمام الليث بن سعد، فارتدينا الثياب المستعارة، وتوكلنا على الله، ومررنا بالمسجد، ووقف أخي يقرأ الفاتحة، لعلها تنفعه في (الامتحان) ببركتها، وكنت أنا مغيظاً محنقاً، فلم يخطر لي أن أقرأ لا الفاتحة ولا سواها، وإني لأتلفت وإذا بالخادم قاعد على باب المسجد. ولم أعرفه في أول الأمر، لأنه كان في ثياب غير معهودة نكرته في عيني - ثيابنا المسروقة. فلما استثبت جذبته من ذراعه فنهض، وعدنا به إلى البيت، ونزعنا ما عليه من أشيائنا، ثم سألناه: فاعترف أنه سرق - وهل كان ينقصنا أن يعترف؟ - وقال: إنه لما بلغ المسجد أحس أنه مقيد، وألفى نفسه يجلس على الباب، ولم يستطع بعد ذلك أن يبرح مكانه!
فقال كل من سمع هذه القصة إنها بركة الإمام؛ وقلت أنا في سري: لعل هذا هكذا، فما أدري، ولكني أحسب أن إيمان هذا الخادم بما لأولياء الله الصالحين من البركة والسر، قد فعل فعله، وكان له أثره حين مر بالمسجد، فاضطرب وارتبك، ولزم مجلسه حائراً، وكبر