للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشجار الغابة، وتسير حذرة تتلفت، فلما صارت قريبة مني، رأيتها وهي لا تراني؛ فإذا هي فتاة سمراء محلولة الشعر، ذات جمال يروع الناظر ويأسر القلب، لها عينان سوداوان واسعتان. . . إذا نظرت بهما إليك أحسست بهما في الفؤاد، وجسم ممشوق قد لوحته الشمس، وما عليها إلا أسمال بالية لا تكاد تستر إلا الأقل منها، فكأنما جسمها فيها البدر قد حجبته قطع من المزن الرقراق. لها كتفان مدورتان ممتلئتان، وثديان ما فهمت قبل أن أراهما كيف يكون الثديان كالرمانتين حقاً، وصدر رحب كأنه خلق مهداً للحب، وساقان وفخذان لا أحب أن أؤذيك بوصف فتنتهما وجمالهما. . .!

وقد وقفت كالغزال المذعور، لا أقولها كما يقولها الأدباء المقلدون، بل أنا أعني ما أقول، ولا أجد صفة هي أدنى إليها وأعلق بها. . . وجعلت تنظر حواليها. . . فلما اطمأنت ألقت حجارتها التي كانت تحملها، وقعدت على الأرض. ونظرت إليها، فإذا ذلك الغضب الفاتن يسقط برفق عن وجهها ويسدل عليه نقاب من الألم، الألم العميق الذاهل، فازدادت به جمالا حتى لقد تخيلتها في قعدتها تلك تمثالا للجمال الحزين قد افتنت فيه يدا عبقري وعقله. . . فخرجت من مكاني وسرت إليها متلصصاً أسارق الخطو حتى إذا كدت أن أصل إليها وأضمها، أحست بي فوثبت وثبة ابتعدت بها عني، ثم عدت تلقاء الغابة. . .

. . . وجعلت أرتاد هذا المكان كل يوم، أفتش عنها وأطلبها حتى أنست بي واتصل بيننا الحديث. . . فسمعت لهجة فتاة ليست من بنات القرى، ولا من الجاهلات، ولكن حديثها حديث المجانين. . .!

سألتها ما شأنها، وأحببت أن أعرف خبرها، فكانت تجيبني بكلام لا يعقل:

قالت: إني أفتش عليه، لقد دخلت المدن، وولجت المدارس، وبحثت في القصور، وطفت الملاهي، وتهت في البراري، وضربت في الجبال، وجست خلال الخرائب، وسريت وحيدة، حيث لا تجرؤ النسور أن تطير. . . كل ذلك أملاً بلقائه!

قلت: بلقاء من؟

قالت: بلقائه. . . إني أحس بصوته أبداً يرن في أذني، وأرى حينما سرت عينيه، وألمس أبداً جلده الدافئ، فأشعر كأن الكهرباء تسيل في عروقي، ويطفر شيء إلى عيني ولكنه يحتبس فلا أستطيع أن أبكي. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>