مصطنع، كل ذلك مشكوك فيه، قابل للتغيير والتبديل، إن أراد الأستاذ توفيق الحكيم. وإنما الشيء الوحيد الذي لاشك فيه هو هذا الهيكل الذي تقوم عليه القصة ان صح هذا التعبير، فهذا الهيكل يفرض نفسه على الأستاذ الأديب وعليّ أنا الناقد المسكين فرضاً، لأنه شيء لا تملك له تغييراً ولا تبديلاً، شيء قد كان وليس للإنسان حيلة في تغيير ما كان، حتى ولو كان هذا الإنسان أستاذنا وكاتبنا الأديب توفيق الحكيم.
أما الفصل الأول من هذه القصة كما كانت لاكما ستكون يوم يكتبها الأستاذ توفيق إن أراد، فيقع في العام الماضي في أوائل الربيع في حجرة من حجرات البيت الذي كنت اسكنه في هليوبوليس. إذ يقبل علي صديقان يحبان الأدب لأنهما أديبان، ويعجبان بالأستاذ توفيق الحكيم لأنه أديب. وهما يتحدثان إلى عن هذا الأستاذ الذي لم أكن أعرفه ولا سمعت من حديثه شيئاً. فيثنيان عليه بما هو أهله، أو بما هو أهل لأكثر منه، ثم يدفعان إلى كتاباً وضعه الأستاذ توفيق الحكيم، وكان يود أن يهديه إلي بنفسه لولا أنه لايعرفني، ولايريد أن يلقاني حتى اقرأ كتابه وأكون لنفسي رأياً فيه، ثم يقصان عليّ الكثير من أطواره الغريبة حتى يثيرا في نفسي الشوق إلى لقائه، وإلى النظر في كتابه، فإذا انصرفا اقبل صديق ثالث فلا أكاد أحدثه بما كان من أمر الصديقين حتى يثني على الكاتب ويثني على الكتاب، ويزعم لي انه قرأ الكتاب مخطوطاً قبل أن ينشر، لأن صاحبه لا ينشر شيئاً حتى يستشير فيه أصدقاءه، وينبئني كذلك بأن هذا الكتاب لم ينشر إلا نشراً ضيقاً، لأن صاحبه يريد ان يعرف رأي المثقفين قبل أن يعرض نفسه على كثرة القراء.
فإذا كان الفصل الثاني فقد أخذت اقرأ في الكتاب فأرضى عنه، ثم أعجب به، ثم أكتب عنه فصلاً في (الرسالة) أسجل فيه هذا الإعجاب، وذلك الرضى، وملاحظات يسيرة لا بأس منها على الكاتب ولا على الكتاب. وما يكاد يلقى الستار على هذا الفصل، ويستريح النظارة في وقت الراحة بين الفصول، حتى أتلقى رسالة برقية ملؤها الشكر وعرفان الجميل ومصدرها الأستاذ توفيق الحكيم.
ثم يكون فصل ثالث والخير في ألا نقسم القصة إلى فصول، بل إلى مناظر يتبع بعضها بعضاً، وليعذرنا الأستاذ توفيق الحكيم فنحن لا نحسن الكتابة في التمثيل. يكون منظر ثالث أو رابع لا أدري، وإذا الأستاذ توفيق الحكيم قد سعى إلى من إقليمه الذي كان يعمل فيه،