وهو يشكر لي تشجيعي له، ويغلو في هذا الشكر ثم يلقى أموره الأدبية كلها إلي، ويطلب مني أن أكون له مرشداً وحامياً، فأقبل منه هذا كله سعيداً به، مبتهجاً له، وأتحدث إلى الأستاذ حيث الصديق المحب المعجب، ويتكرر هذا المنظر مرات كلما اقبل الأستاذ من إقليمه الذي كان يعمل فيه إلى القاهرة ليقضي فيها بين أصدقائه يوماً أو يومين، والحديث والود يتصلان ويشتد اتصالهما بيننا وتظهر آثار هذا الاتصال فيما يكون من كتب تنشرها لنا (الرسالة)، ومن لقاء يشهده الأصدقاء. ثم يكون منظر آخر من هذه المناظر الكثيرة التي سيؤلف الأستاذ منها قصته إن أراد. نجتمع فيه مع أصدقاء لنا يعرفهم الأستاذ، ونتشاور في أمره هو لا في امرنا نحن، فهو يريد إن ينتقل من الأقاليم إلى القاهرة، لأنه ضيق بحياة الريف التي لا يجد فيها ما يلائمه من البيئة المثقفة المتحضرة وما يحتاج إليه من الكتب، ولأنه يلقى فيها بعض العناء، فحياة وكلاء النيابة في الأقاليم مضنية شاقة، وفي وزارة المعارف عمل قد يلائمه وهو يميل إلى هذا العمل، ولكني أنا لا أميل إليه، وأنا أوافق على ان بيئة القاهرة وحياتها خير للأستاذ من بيئة الأقاليم وحياتها، ولكني أشفق عليه من وزارة المعارف لأني اعلم الناس بوزارة المعارف، ولاني واثق بأن الهواء الذي يملأ غرفاتها وحجراتها لا يلائم حياة الأديب المنتج وإنما هو هواء خانق لكل أدب ولكل إنتاج. والأستاذ وأصدقاؤه يلحون في العرض وأنا ألح في الرفض، ثم اقترح مكاناً آخر يستطيع الأستاذ أن يعيش فيه عيشة تلائم الإنتاج الأدبي، فيظهر أن تحقيق هذا الاقتراح غير ميسور، ثم يلقى الستار ويتم انتقال الأستاذ من الريف إلى القاهرة في هذه الراحة التي تكون بين الفصول، ثم يكون منظر آخر أو مناظر أخرى نجتمع فيها لنقرأ بعض الكتب التي يريد الأستاذ إخراجها للناس، ومنها شهرزاد.
فالأستاذ شديد الشك في نفسه، ضئيل الثقة بفنه، لا يظهر آثاره إلا إذا أقرها أصدقاؤه الأقربون. وهو لا ينشر فصلاً في (الرسالة) إلا إذا قرأته وأذنت بنشره. وهو لا يرى أنه قادر على أن يحتمل وحده تبعة الإذاعة والنشر. ثم نقر من هذه الكتب ما نقر، ونرجئ منها ما نرجئ ونتحدث عن أهل الكهف وعن طبعة ثانية تذاع بين الناس. فاقترح أنا أن أقدمها إلى الجمهور فيظهر الأستاذ وأصدقاؤنا الرضا بذلك والابتهاج له، ثم يلقى الستار ويرفع وقد تمت الطبعة الثانية من أهل الكهف، وأبطأت أنا بالمقدمة أسبوعين أو نحو أسبوعين.