للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن هذا النكاح فاسد. وفي المادة ٧٧ على أن البقاء على الزوجية ممنوع في هذا النكاح فإذا لم يفترقا يفرق بينهما القاضي.

أما خلافها لظاهر القرآن (وظواهره حجة كما هو محرر في كتب الأصول) فلقوله تعالى: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن). ففهم من ذلك صحة زواج المرأة وطلاقها قبل بلوغها سن الحيض. أما السنة فلزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في السنة السادسة من عمرها، والحديث (كما قال في فتح القدير) قريب من المتواتر. وقد انعقد الإجماع على أن حكمه عام وليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بعائشة. وقد زوج الزبير ابنته لقدامة بن مظعون يوم ولدت، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة مع علمهم به. أفنكاح قدامة بنت الزبير نكاح فاسد يا أيها السادة؟ أم انه يجب التفريق بين محمد سيد النبيين وإمام المرسلين، وعائشة أم المؤمنين، لأن قرار حقوق العائلة يمنع بقاءهما على الزوجية؟ أم إنه يزعم أن أحكام الإسلام تتبدل ولو نطق بها القرآن وجاءت بها السنة المتواترة وانعقد عليها الإجماع؟

سيقول قائل منكم أو من غيركم إن قانون العائلة وضعه فحول من العلماء، وعرض على شيخ الإسلام وأمر به السلطان واستند فيه إلى اجتهاد ابن شبرمة وأبي بكر بن الأصم.

لا يا سادة، إنه لا شيخ الإسلام، ولا السلطان، ولا مائة مجتهد يستطيعون مخالفة الكتاب والسنة والإجماع، وما أحسب قاضياً يخاف الله ويعرف طرق العلم يحكم بغير ما أنزل الله فيصح فيه الوصف بالفسوق والظلم والكفر، وقد وصف الله بها من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف بمن يحكم بخلافه؟!

وإني احب أن أسركم فأخبركم بأن هذه المادة قد وضعت من أكثر من ثلاثين سنة، ولكن قاضياً واحداً لم يقض بها، فلم يبق منها إلا سواد الحبر في بياض الورق، ذلك لتعلموا أن هذا القرآن قد تولى الله حفظه وحمايته (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وإن قلعة يدافع عنها الله لا يستطيع أن يقتحمها بشر!

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>