الحروب الخاصة والثأر للدم والمبارزة بين الأفراد وغيرها. وقد كانت هذه الأنواع من القتال تتولد تحت ظروف اجتماعية معينة، وكانت تبدو للضمير الجمعي في صورة بطولة وشرف. حتى إذا زالت العوامل الاجتماعية المولدة زالت معها أنواع القتال المختلفة، وأصبحت نظرة الناس إليها غير تلك النظرة السابقة. . .
لذلك ليس بصحيح ما يزعمه بعض العلماء من أن الحرب ضرورة في فطرة الإنسان، فكما أن خلايا الجسم تتحارب فتتولد الحياة الفردية، كذلك يتحارب الناس فتتولد الحياة الاجتماعية. إنما الحرب كما أثبت الاستقراء التاريخي، نتيجة لعوامل اجتماعية خاصة قابلة لأن تزول، وعندئذ تصبح فكرة الحرب من المعاني المجهولة، كما أن الكثير من أنواع القتل كالمبارزة بين الأفراد أصبحنا نجهله كل الجهل.
وعند العلامة وسترمارك أن أنصار السلام يزدادون يوماً بعد يوم، وهكذا عندما تنحسر موجة القوميات - وهي العوامل الاجتماعية المولدة للحروب في عصورنا - ولا يعود الناس ينظرون إلى الحرب والسلام بالمنظار القومي، فإن كل الدلائل تدل على أن الصيحة ضد الاستبداد المنبعثة من القوميات ستخفت، كما خفت غيرها من صيحات الحروب الخاصة والثأر للدم. . .
وإن لنا الدليل كل الدليل في أن العالم يتجه نحو وحدة عالمية، تتلاشى عندها الدوافع القومية وتختفي معالمها، وذلك في روح المذاهب السياسية للدول المنتصرة في هذه الحرب. فالديموقراطية تنعت بأنها مبدأ يعلو على القومية - وكذلك الاشتراكية الحديثة في روسيا (البلشفية) ليست مبدأ قومياً، وإنما هي ترمي في النهاية إلى وحدة عالمية شأنها في ذلك شأن الديموقراطية. ففي حين أننا نرى الفاشيستية والاشتراكية القومية (النازية) تنظران إلى وحدة عالمية كحلم فظيع، نرى أن الديموقراطية والبلشفية تتجهان في جوهرهما إلى وحدة عالمية يسودها الوئام والسلام. . .
إن ملحمة الحرب ملحمة طويلة وحافلة، ولكن لها - ككل قصة في الحياة - نهاية وخاتمة