للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونحن نجد أيضاً عند فلاسفة النهضة الحديثة من أمثال كانت وبنتام وروسو نزعات معادية للحرب. ولكن ظهر رد فعل لهذه النزعات، في نزعة قومية زعم أنصارها أن وحدة عالمية ليست إلا حلماً فظيعاً؛ فليس ثمة ضمان لفضيلة عندهم إلا بوجود القوميات؛ وهكذا أخذوا ينفخون في نفير الحرب لأنها مقياس الحق ولأنها منبع ترتوي منه الفضيلة فيشتد عودها ويتقوى ساعدها. والحرب عند نيتشة قد جلبت للإنسانية من الخيرات أضعاف ما جلبه الحب الإنساني. وهي عند راسكين أم الفنون وجميع الفضائل المدنية. ولقد أصبحت الحياة عند هؤلاء حق يغتصبه القوي من الضعيف. وإن الصراع من أجل الحياة بين الأقوياء والضعفاء سيتمخض عن الإنسان الأعلى الذي يعلو على أعقاب الضعفاء ويقضي على جيلهم. ان فلسفة القوميات في الواقع هي فلسفة قوة وحرب وسيطرة.

وبعد سقوط نابليون شاع في العالم الرغبة في سلام طويل. ولكنها كانت فترة قصيرة تلك التي شاع فيها حب السلام استيقظت بعدها صيحة القوميات وتعطشها إلى الحرب والسيطرة.

عرضنا فيما سبق استقراء عاماً لفكرة الحرب وتحولها في أحقاب التاريخ. وإن نظرة واحدة إلى ما أمامنا من العناصر لكافية بأن تخرجنا بحقيقة أشبه بأن تكون يقينية، إن كان هنالك ثمة يقين في مجال العلم الحديث. . .

لقد وجدنا أن فكرة الحرب من المعاني الخلقية التي لم تثبت على حال واحدة، بل اختلفت وتبدلت باختلاف الشعوب والعصور؛ فبينا نرى الحرب في بعض الأحايين خيراً أسمى بل وضماناً للفضيلة، نراها في أحايين أخرى شراً مستطيراً، أولى بالحيوانات الكاسرة منها بالإنسان الأخلاقي. . .

هذا الاختلاف في نظرة الإنسان إلى معين الحرب نتيجة لعوامل اجتماعية تشكل الوجدان الأخلاقي فتارة تغلب عليه فكرة الحرب فيراها الإنسان خيرا، وتارة تغلب عليه فكرة السلام فتبدو الحرب للإنسان شراً ليس بعده شر.

فكرة الحرب إذا من المعاني النسبية، تخضع لعوامل اجتماعية معينة تتولد منها وتزول بزوالها.

والتاريخ يدلنا على ألوان أخرى من القتال غير الحروب بصورتها الحالية وذلك مثل

<<  <  ج:
ص:  >  >>