ولكن النزعة السلمية لم تعدم الأنصار في أوربا في تلك الآونة؛ ففي القرن الرابع عشر ظهرت جماعة اللولارد وقالوا إن الحرب في جميع صورها تتعارض مع تعاليم الإنجيل. وإن سلاماً غير عادل أكرم من حرب عادلة. ويقول (ارازم) إن الحرب ليست وحشية فحسب بل هي أكثر من ذلك، لأن الإنسان القاتل أكثر وحشية من الوحش نفسه، لأن الطبيعة إذا كانت قد هيأت الوحوش للحرب فإنها على العكس لم تهيئ الإنسان للحرب؛ ومن ذهب إلى الحرب فليعلمن أنه يمتشق الحسام ضد الطبيعة وضد الله وضد الإنسان. . .
وجماعة الكويكرز ترى أن الحرب أيا كانت تتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس؛ وإذا كانت نهاية الإنسان هي الخلود فإن مستقبل فرد واحد في الآخرة يفوق كل خير وقتي لأمة بأسرها. . .
ومن هنا نرى أن الناس قد انقسموا أمام فكرة الحرب، في تلك الآونة، إلى فريقين: فريق يرى أن الحرب مرآة فيها يتجلى الحق السماوي، وفريق يرى أن الحرب تتعارض مع تعاليم المسيحية، وأن سلاماً غير عادل أفضل من حرب عادلة.
وأما الحال عند العرب فقد عرفنا أن الإسلام قد أبطل الكثير من عاداتهم القديمة وجعل القتل جريمة كبرى. وقد نص القرآن الكريم على هذا بقوله:(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق).
ولكن القرآن قد حث من جهة أخرى على مقاتلة الكفرة في ظروف معينة إذ يحق للعرب أن يعتبروا (الجنة في ظلال السيوف). وفي هذا يقول الله لنبيه:(يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا) وهكذا يكون الإسلام قد أجاز الحرب في ظروف خاصة.
وفي القرن السابع عشر ظهرت في أوربا طائفة الموسوعيين وعلى رأسهم ديدرو الذي استطاع أن يجمع إليه عدداً من أشهر فلاسفة أوربا من أمثال فولتير وروسو. والفلاسفة - في الانسيكلوبديا - وإن تباينت آراؤهم قد اتفقوا في معاداتهم للمبادئ الكاثوليكية ولم تكن إذ ذاك سلمية. ولقد قام فلاسفة الانسيكلوبدية بدعوة سلمية معتدلة تختلف عن دعوة ارازم، ففولتير وإن يكن يعترف بأن الحرب واجبة في بعض الأوقات إلا أنه ينعى عليها شرورها ويقول إن الذي يجر الناس إليها طمع الأمراء وجشعهم.