ويحبه، وكان منقطعاً إليه، وله منه منزلة حسنة، فذكر حماداً وكان صديقه وكان مطرحا مجفواً في أيامهم، فقال له: ائتنا به لنراه، فأتى مطيع حماداً فأعلمه بذلك وأمره بالمصير إليه ومعه، فقال حماد: دعني فإن دولتي كانت مع بني أمية ومالي مع هؤلاء خير، فأبى مطيع إلا الذهاب به، فلما أتيا جعفر استنشد هذا حماداً فأنشده قصيدة جرير التي مطلعها:
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أَوَ كلما اعتزموا لبيْن تجزعُ
فلما وصل إلى قول جرير:
وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلا هزئت بغيرنا يا بوزع
أبدى جعفر نفوره من لفظ بوزع، وأمر غلمانه بصفع حماد وجر رجله. ويقول أرندنك إنه (كان أحد الشعراء الذين خرجوا عن بغداد في عهد المنصور في طلب المعاش فذهب إلى الكوفة؛ ولكن يقال إن المنصور استدعاه ثانية إلى بغداد من البصرة).
ومن اليسير علينا أن نفسر إعراض العباسيين عن حماد ورفاقه. فقد كان العباسيون في أول أمرهم يأخذون الحياة مأخذ الجد، ويصطنعون الصرامة والقسوة، ويعملون على تدعيم ملكهم الوليد. وما كان لمثل هؤلاء أن يقبلوا على حماد ورفاقه، وأن يسوغوا لهوهم ومجونهم. هذا إلى أن حماداً ورفاقه كانوا من المقربين إلى بني أمية، وما كان للعباسيين أن يقربوا من كان هواهم مع أعدائهم.
وقد اشتهر حماد بمجونه واستهتاره وفسقه وسكره. وتجد في الأغاني (ج ٥ ص ١٦٩) قصة من قصص استهتاره، كما تجد صورة من صور فسقه في (ص ١٧٠).
ويقول ابن قتيبة في الشعر والشعراء (ص ٣٠٢ المكتبة التجارية): (وكان بالكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون: حماد عجرد، وحماد الراوية، وحماد بن الزبرقان النحوي؛ وكانوا يتعاشرون، ويتنادمون، وكانوا يرمون بالزندقة كلهم؛ وكان حماد بن الزبرقان عتب على حماد الراوية في شيء فقال:
نعم الفتى لو كان يعرف قدرَه ... ويقيمُ وقت صلاته حمادُ
هدلت مشافره الدنانُ فأنفه ... مثل القدوم يسنُّها الحداد
وابيضّ من شُرب المدامة وجهُه ... فبياضُه يوم الحساب سواد)
على أن نسبة هذه الأبيات إلى حماد بن الزبرقان في هجاء حماد الراوية يحوطها الشك؛