اعتراضه هي التي رواها أبو الفرج في الأغاني (ج ٦ ص ١٢٨) حيث قال: (. . . قال (أي حماد): دخلت يوماً على الوليد، وكان آخر يوم لقيته فيه، فاستنشدني، فأنشدته كل ضرب من شعر الجاهلية والإسلام، فما هش لشيء منه، حتى أخذت في السخف فأنشدته لعماد بن ذي كنانة مجتبذاً. . . فضحك حتى استلقى، وطرب ودعا بالشراب، فشرب، وجعل يستعيدني الأبيات، فأعيدها حتى سكر، وأمر لي بجائزة، فعلمت أن أمره قد أدبر. ثم دخلت على أبى مسلم، فاستنشدني، فأنشدته قول الأخوة:
لنا معاشر لم ينبوا لقومهم
فلما بلغت إلى قوله:
تُهدى الأمورُ بأهل الرشد ما صلحت ... وإن تولَّت فبالأشرار تنقاد
قال: أنا ذلك الذي تنقاد به الناس، فأيقنت حينئذ أن أمره مقبل).
على أن هذه القصة غير صحيحة فيما يبدو لنا. فإن أبا مسلم الخراساني لم يبرز إلى الميدان السياسي إلا سنة ١٢٩هـ، أي بعد وفاة الوليد بن يزيد بثلاث سنين. وأغلب الظن أنها من وضع دعاة العباسيين وضعوها تشهيراً بالوليد وإظهاراً لما كانت عليه دولة بني أمية من انحلال وما كانت عليه الدعوة العباسية من فتوة. وهكذا يسقط الشطر الثاني من اعتراض أرندنك.
ومهما يكن من شيء، فقد كان حماد ذا حظوة لدى يزيد ابن عبد الملك، ثم لدى الوليد بن يزيد من بعده. وتفسير هذه الخطوة يسير. فقد كان الخليفتان يحبان اللهو والمجون، وكانا يجدان في حماد ما يوائم ذينك اللهو والمجون من شعر سافر ومذهب داعر.
على أنه لم يكن ذا حظوة لدى العباسيين. يظهر هذا مما يرويه أبو الفرج (ج ١٢ ص ١٠٢) إذ يقول: (. . . كان مطيع بن إياس منقطعاً إلى جعفر بن المنصور، فطالت صحبته له من غير فائدة، فاجتمع يوماً مطيع وحماد عجرد ويحيى بن زياد، فتذاكروا أيام بني أمية وسعتها ونضرتها وكثرة ما أفادوا فيها وحسن ملكهم وطيب دارهم بالشام وما هم فيه ببغداد من القحط في أيام المنصور وشدة الحر وخشونة العيش وشكوا الفقر فأكثروا. . .)؛ ومما يرويه أبو الفرج (ج ٥ ص ١٦٩ - ١٧٠) والبغدادي (ص ١٣٠ - ١٣١) من أن جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكريه كان يستخف مطيع بن إياس