وقال ابن النطاح (الأغاني ج ٥ ص ١٧١، وخزانة الأدب ص ١٣١): (كان حماد الراوية في أول أمره يتشطر ويصحب الصعاليك واللصوص، فنقب ليلة على رجل فأخذ ماله وكان فيه جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد فاستحلاه وتحفظه، ثم طلب الأدب والشعر وأيام الناس ولغات العرب بعد ذلك، وترك ما كان عليه فبلغ في العلم ما بلغ). وهذه الرواية - إن صحت - تدلنا على طور من أطوار حياة حماد، لا بد أنه خلف في نفسه أثراً، ولا بد أنه كيف مزاجه تكييفا خاصا.
وكان خلفاء بني أمية يقدمون حمادا ويؤثرونه، وكثيرا ما كانوا يستحضرونه لينشدهم وليسألوه، فكان يفد عليهم فيجزلون صلته. ويروى أنه كان منقطعا إلى يزيد بن عبد الملك في خلافته، فأسخط هذا هشاما أخا الخليفة وولي عهده؛ فلما تولى هذا الخلافة خاف حماد على نفسه، فلزم بيته سنة لا يبرحه؛ ولكن هشاما لم يلبث أن استدعاه إلى دمشق ليسأله عن بيت من الشعر: من قاله؟ فلما أجابه وأنشده أجازه وأحسن صلته. وهذه القصة مذكورة في معظم المراجع التي بين يدينا؛ وهي مذكورة على سبيل المثال في الأغاني (ج ٥ ص ١٦٦ - ١٦٧)، وقد استغرق ذكرها جل ما كتبه صاحب نزهة الألباء عن حماد (ص ٤٤ - ٥٠)، وذكرها السيوطي في تحفة المجالس ونزهة الجالس (ص ٦٩ - ٧١ ط مطر السعادة). ولكن الأستاذ أرندنك كاتب مادة حماد الراوية في الموسوعة الإسلامية، يشك في صحة هذه القصة فهو يرى أنها لا يمكن أن تقع في مثل هذا التاريخ، وأن سماتها تشبه سمات قصة تروى عن الوليد الثاني (يعني الوليد بن يزيد) الذي كان خاصة يستمع إلى حماد كثيرا. ويشك أبو الفرج (ج ٥ ص ١٦٧) في صحة جانب من هذه القصة، وهو أمر هشام الجاريتين المذكورتين في القصة بسقي حماد الخمر؛ لأن هشاما - كما يقول أبو الفرج - لم يكن يشرب ولا يسقي أحد بحضرته مسكرا، وكان ينكر ذلك ويعيبه ويعاقب عليه. كما أن ابن خلكان يشك في جانب آخر من القصة، وهو أمر هشام يوسف بن عمر الثقفي باستدعاء حماد؛ فهو يقول (ص ٢٤١): (وما يمكن أن تكون هذه الواقعة مع يوسف بن عمر الثقفي لأنه لم يكن واليا بالعراق في التاريخ المذكور بل كان متوليه خالد بن عبد الله القسري). وفي اعتراض ابن خلكان تفسير للشطر الأول من اعتراض أرندنك.
ويبدو لنا أن قصة حماد مع الوليد بن يزيد التي يشير إليها أرندنك في الشطر الثاني من