أقنطني وكاد يغلب على عقلي. وكنت أنا وفلان محبوسين مقيدين في بيت واحد، إلا أنا على سبيل ترفيه وإكرام. فدخل علينا كاتب لياقوت كان كثيراً ما يجيئنا برسالته، فقال الأمير يقرأ عليكما السلام، ويتعرف أخباركما ويعرف عليكما قضاء أي حاجة لكما. فقلت: تقرأ على الأمير السلام وتقول له ضاق والله صدري، واشتهيت أن أشرب على غناء طيب. (قال) والمحبوس معي يخاصمني ويقولك يا هذا، والله ما في قلوبنا فضل لهذا. ثم مضى وعاد يقول: الأمير يقول حباً وكرامة لك، أي وقت شئت! قلت: الساعة، فلم يمض إلا ساعة حتى جاءوا بالطعام والمشام والفاكهة والنبيذ. وصفف المجلس، فجلست والمحبوس معي مقيداً، وقلت له تعال حتى نشرب ونتفاءل بأول صوت يغنى به لنا في هذه الساعة. وجاءت المغنية، وغنتنا غناء طيباً، فقطعنا يومنا بين لهو وشراب وغناء. . .).
وحدث أحمد بن المدبر أنه (لما أمر محمد بن عبد الملك بحبسي، أدخلت محبساً فيه أحمد بن إسرائيل وسليمان بن وهب. فجعلت في بيت ثالث. وكنا نتحدث ونأكل جميعاً وربما أدخل إلينا النبيذ فنشرب ونلهو).
مدة السجن
ولم يكن للسجن مدة خاصة، ولم يكن لكل جرم عقوبة ذات أجل معروف. فقد حبس اسحق بن خلف القاتل حتى مات. وهذا ما يشبه السجن مدى الحياة في أيامنا. وسجن يعقوب بن داوود خمسة عشر عاماً. وحبس رجل في كساء بدرهمين سنتين، وسجن أبو نواس ثلاثة أشهر، وأبو دلامة ليلة واحدة، وحبس الرشيد زلزلاً المغني لوجد عليه عشر سنين، وسجن القاهر إحدى عشرة سنة، في حين سجن المتقي في جزيرة بمقابلة السندية خمساً وعشرين سنة. وهذا ما يشبه السجن مع الإبعاد في هذه الأيام.
فأنت ترى أن ليس للسجن أجل محدود وإنما كان الخروج منه منحصراً في سبل خمسة سنذكرها فيما يلي.
الخروج من السجن
أما هذه السبل فهي:(ا) الفرار، (ب) كسر السجن، (ج) موت الخليفة، (د) العفو، (هـ)