أما الفرار فحوادثه كثيرة نسوق إليك منها مثالا. حدث محمد بن القاسم وكان المتوكل قد قبض عليه وسجنه في سجن منفرد قال: كنت أدبر أمري في التخلص منذ حبست. وكان في البيت الذي حبست فيه خلاء إلى الغرفة التي فوقه وخلاء في الغرفة إلى سطحها. وكنت قد أدخلت معي منذ حبست لبداً. فكان وطأتي وفراشي. وكنت أرى (بغرش) وهي قرية من قرى خراسان حبالا تعمل فيها من لبود، كما يفعل بالسيور، فتجيء أحكم شيء. فسولت لي نفسي أن أعمل من اللبد التي تحتي حبلاً. وكان على باب البيت قوم وكلوا بي يخفظونني لا يدخل علىّ منهم أحد؛ وإنما يكلمونني من خلف الباب، ويناولونني من تحته ما أتقومه، فقلت لهم إن أظفاري قد طالت جداً، وقد أصبحت إلى مقراض. فجائني رجل بمقراض وقلت لهم إن في هذا البيت فيراناً يؤذونني ويقذرونني إذا قربوا مني، فاقطعوا لي جريدة من النخل تكون عندي أطردهم بها، فقطعوا لي جريدة من بعض نخل البستان، ورموا بها إلي. فأخذت أضرب بها في البيت وأسمعهم صوتها أياماً. ثم قشرت الخوص عنها، وقطعتها على مقدار ما علمت أنها تعترض في ذلك الخلاء إذا رميت بها. فضممت كل ما قطعته منها بعضه إلى بعض، وقعطت اللبد، وضفرت منه حبلاً على ما كنت أرى يعمل بغرش ثم شددت ما قطعته من الجريدة في رأس الحبل، ثم رميت به في الكوة، وعالجته مراراً حتى اعترض فيها. ثم اعتمدت عليها، وتسلقت إلى الغرفة، ومن الغرفة إلى سطحها، وفعلت ذلك أياماً، وشددت القيد مع ساقي. فلما كان ليلة العيد، وقد شغل الناس وانصرف من كان على الباب صعدت بين المغرب والعشاء إلى الغرفة، ومن الغرفة إلى سطحها، ثم تدليت بالحبل إلى بستان مجاور وفررت. . .).