في أماكن مختلفة من الجزيرة العربية، وبعد دراسة النصوص اليونانية والرومانية والفارسية والحبشية وتحليلها وتدقيقها تدقيقاً علمياً صحيحاً. وسيظهر للأمة العربية تاريخ جديد تماماً عن العهد المظلم الذي سبق عهد الإسلام والذي نجهله تمام الجهل.
قد يجل لنا هذا البحث مشكلة عويصة قديمة هي مشكلة وجود كثير من الكلمات اليونانية والفارسية والأكسومية (الحبشية) في اللغة العربية قبل مجيء الإسلام. وقد ثبت وجود ذلك ثبوتاً لاشك فيه؛ ثم مشكلة تشابه بعض الأساطير والعقائد التي كان يدين بها العرب مع الأساطير والعبادات المعروفة في السابق عند اليونانيين والفرس.
ثم مشكلة أخرى هي وجود بعض القبائل العربية القديمة التي كانت تمتاز من أغلب القبائل العربية بصفات ومميزات لا يمكن أن تكون من صفات ومميزات الجنس العربي؛ مثل زرقة العيون وحمرة الوجه وبياضه ولون الشعر وشكل الأنف والجمجمة وطول القامة وغير ذلك مما ذكر عن بعض القبائل العربية القديمة وهي قبائل ربما كانت قد استعربت واندمجت في العرب ونسيت أصلها والوطن الذي جاءت منه.
ثم مشكلة أسماء بعض القبائل وعاداتها وتقاليدها ثم أصنامها وما شاكل ذلك؛ فكل هذه نقاط غامضة ستحل متى ما عرفنا بأن هنالك جاليات أجنبية كانت تنزل في بلاد العرب ولكن سرعان ما تندمج في هذا المحيط الجديد وتختلط بأهله وسكانه.
وفي التاريخ أمثلة ربما تؤيد هذا الرأي وتقويه، فقبائل اليهود التي حلت في خيبر ويهود بنو النضير وبنو فيينقاع ثم قبائل اليهود التي نزلت في اليمن بعد خراب المعبد على يد الرومان، ثم القبائل اليهودية التي نزلت على شواطئ الفرات والتي كونت مستعمرات (الكالوته) هنالك وهي أشبه ما تكون بحكومات المدن ثم القبائل السريانية المختلفة؛ كل هذه استعربت وانتسبت إلى أصل عربي وافتخرت بالعرب مع أنها لم تكن من هذا الأصل.
وما بالنا نذهب بعيداً وعشائر (الصليب) أو (الصلبة) وهي عشائر تتكلم العربية وتعيش عيشة بدو العرب في البوادي على رأي أكثر الباحثين من أصل لا يمت إلى العرب بصلة قد يكون من أصل مسيحي استعرب وتبدى. وقل مثل ذلك عن الفرس والأتراك الذين اندمجوا في العرب ونسو أصولهم وعدوا أنفسهم من أقحاح العرب.