للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحن حريون أن ننظر إلى هذا الفتوح من هاتين الناحيتين لا من ناحية واحدة، وألا ندعي لأنفسنا من الفهم للإسلام والعصر الذي ظهر فيه أكثر من فهم عمر الذي كأن من أقرب الصحابة إلى النبي وأعظمهم فهما عنه.

ولقد نظرت الأمم التي دانت للسلام إلى الفتوح العربية على أنها فتوح أمة تنشد لنفسها السلطان على غيرها من الأمم، وتنشد لدينها السلطان على غيره من الأديان: لم ينظر كثير منهم إلى أن هذه الأمة العربية قد جاءت بدين عام للعربي وغير العربي، وأنها تفتح بلادهم لتدعو إليه، بل رأوا أنها فتحت بلادهم للتسلط والاستعمار، وإن كان حكمها خيراً من حكم سواها، وأنها تقصد من الدعوة إلى دينها الدعوة إلى سلطانها الدنيوي.

ولقد ساء الفتح العربي كثيراً من الأقطار المفتوحة، ولاسيما فارس، ولذلك سببه الذي لا بدلنا أن نكشف عنه.

كانت بلاد الشام وبلاد المغرب تحت سيطرة الروم، فلم يكن من نتيجة الفتح العربي إياها إلا أنها استبدلت سلطان العرب بسلطان الروم، ووجدت تحت الحكم العربي من العدل والرغد ما لم تجد تحت حكم الروم، فاستكانت إلى العرب واطمأنت إلى حكمهم حتى فقدت قومياتها ولغاتها.

وكانت فارس قبل الفتح العربي بلاداً مستقلة ذات سيادة وحضارة ومملكة، وكان لها سلطان حتى على العرب، وكانت تحكم قبل الإسلام بلاد اليمن والبحرين والعراق حتى أن كسرى أبرويز حين تلي عليه كتاب النبي الذي يدعوه فيه إلى الإسلام، غضب ومزق الكتاب وكتب إلى عامله على اليمن (بازان) يأمره بأن يأتيه برأس هذا الرجل الحجازي، وكانت فارس تستعين بقبائل الحيرة في حروبها مع الروم، وتستعين بقبائل العرب على صد المعتدين على حدودها من الروم والأعراب، وعلى خفارة القوافل أثناء مرورها في البلاد العربية، بل لقد استعان بهرام جور برؤساء قبائل الحيرة في الجلوس على عرش فارس بعد أبيه يزدجرد برغم أنوف المعارضين له من الفرس، ولقد كانت لفارس ثقافة وحضارة، وفي اللغة العربية كثير من الكلمات الفارسية دخلتها قبل الإسلام، وفي سيرة ابن هشام أن النضر بن الحارث كان يقول لأهل مكة: (يحدثكم محمد بأخبار عاد وثمود، وأنا أحسن حديثاً منه: هلموا إلي أحدثكم بأخبار رستم واسفنديار والأكاسرة) وقد عرف العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>