المجوسية (الديانة الفارسية القديمة) ويقال إن بعض بني تميم قد اعتنقوها.
ولم يكن لسلطان فارس مثيل قبل الإسلام إلا سلطان الروم، وقد وقعت بين الدولتين حروب كثيرة شهد ظهور الإسلام أواخرها، ويقول المقريزي:(إن الفرس كانت من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وصولة الخطر في أنفسها بحيث أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة)
ما من شك في أن الفرس كان لهم قبل الفتح العربي سلطان واستقلال ومملكة، وأنهم كانت لهم سيادة على بعض البلاد العربية، وأنهم كانوا يحتقرون العرب، وأن بلادهم هي البلاد الوحيدة التي كانت تتمتع باستقلالها ومملكتها وحضارتها عند الفتح العربي، فلما فتحها العرب سلبوا استقلالها ومملكتها ونظمها، ومن أجل ذلك تعاظمهم - كما يقول المقريزي - الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وأي مصيبة أعظم من فقدان استقلالهم على أيدي أمة كانت أقل الأمم خطراً عندهم. ومن أجل ذلك لقي العرب في إخضاع الأمة الفارسية من المشقات ما لم يلقوا في إخضاع غيرهم من الأمم.
ولقد بقيت فارس تتطلع إلى الاستقلال تحت الحكم العربي من أول يوم دخلت فيه تحته، وظلت موطن كفاح دائم بين الفريقين، واستعان الفرس في مناضلة العرب بجميع قواهم: فاستعانوا بقوة الجيوش مرارا فما أفلحوا، وظل العرب قابضين على نواصيهم لقوة عصبيتهم ضد عصبية الفرس، وشجاعتهم أمام شجاعة الفرس، فلما خانتهم قوة الجيوش حاولوا التمسك بلغتهم وحضارتهم وديانتهم فخابوا بعض الخيبة وظفروا بعض الظفر: ذلك أن اللغة العربية غلبت على لغتهم لغناها ووجوب التعبد بها، وغلب الإسلام ديانتهم بترك بعضهم دينهم خوفا من البطش أو تزلفا إلى الدولة الإسلامية أو إيمانا به، ووهت ثقافة اللغة الفارسية كما وهت المجوسية، وامتزجت الحضارتان، وأناب كثير من العامة إلى الحكم العربي والدين الإسلامي الذي جاءهم به العرب واللغة العربية، واختفت العصبية أول الأمر كثيرا، ومما ساعد على اختفائها عندهم حسن سيرة الحكام في العهد الأول في الرعية وتنفيذهم أوامر الدين في معاملة المغلوبين بنصها وروحها، فكان للمغلوبين ما للغالبين