وعليهم ما عليهم فيما عدا الإدلاء ببعض المناصب، ولكن العصبية لم تذهب - وإن اختفت - من رؤوس رؤسائهم وذراري ملوكهم بل بقيت متأججة يتناقلونها خلفا عن سلف، وقد بدأ ظهورها يزداد منذ انقسام العرب بعضهم على بعض في أثناء الدولة الأموية، وظهور العصبيات الجزئية القبلية التي اجتهد النبي وخلفاؤه ونجحوا في إخفائها، وظهور التفرقة في المعاملة بين العربي وغيره ممن دخل في الإسلام عند الخلفاء والولاة، واحتقار العرب الموالي عامة.
وأول ما بدأ ظهور العصبية الفارسية في فارس، ففيها ضعفت أول ما ضعفت العصبية العربية لظهور العصبيات القبلية، وقلة العناصر العربية فيها لقلة العرب واندماجهم مع الفرس بالتزاوج والتناسل واستقرارهم فيهم وبعدهم عن مواطنهم التي خرجوا منها.
ولقد ظهرت حاجة العرب إلى الفرس بعد الفتح العربي بقليل، فقد انصرف العرب إلى الفتح والجهاد، فغفلوا عما سواه، كما يقول ابن خلدون في مقدمته، وانصرف الموالي من الفرس إلى الأدب واللغة والفقه والنحو فأسدوا إلى هذه النواحي أعظم الخدمات، وكانوا فيها المبرزين دون العرب، ومما يؤثر عن الخليفة سليمان بن عبد الملك (٩٦ - ٩٩هـ) قوله: (ألا تتعجبون من هذه الأعاجم! احتجنا إليهم في كل شيء حتى في تعلم لغاتنا منهم)
وقوله:(العجب لهذه الأعاجم كان الملك فيهم فلم يحتاجوا إلينا، فلما ولينا لم نستغن عنهم).
ومما يحكى أن عربيا وفارسيا تناظرا بين يدي يحيى البرمكي، فقال الفارسي للعربي:(ما احتجنا إليكم قط في عمل ولا تسمية، ولقد ملكتم فما استغنيتم عنا في أعمالكم ولا لغتكم حتى أن طبيخكم واشربتكم ودواوينكم على ما سمينا ما غيرتموه).