للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حنينا إلى وطنه، فرق أسلوبه كثيرا وبرعت ديباجه.

ألف فولتير من الكتب والقصص (محمداً، زاير، ميروب، عصر لويس السابع عشر، تأريخ شارلي الثاني عشر، كالديد، ميكروموكاس، زاديك، القاموس الفلسفي، ملاحظات على نظريات باسكال) وغير ذلك من المؤلفات التي جعل بعضها قصصاً تخيل وقائعها في بلدان شرقية وعصور خاليه، فقصته (زاديك) جعل وقائعها في بلاد فارس في عصور ما قبل الميلاد، فقارئها يرى من طرف خفي وظاهر ان فولتير ينتقد الملك والبلاط النقد الجارح الأليم.

لأضرب لك مثلاً في كتابه زاديك: - (زاديك شاب غني فيلسوف هجر المجتمع الخاطئ واعتزل في قصر له في البرية، فانه ليتجول يوماً في الغابة إذ مر به خصيان البلاط والحرس الملكي يسألونه متلهفين أريت كلب الملكة وحصان الملك؟ فيقول هي كلبة لا كلب، ولكن لم أرها، فيكبلونه إلى الحاكم فيحكم عليه بالجلد والنفي إلى سيبيريا فما يكاد يفعل حتى توجد الكلبة والحصان فيعفو عنه، ولكنه يحكم علية بغرامه قدرها أربعمائة من الذهب) وهكذا يريد فولتير أن ينقل البلاط وأن يقولَ إن الداخل فيه خاسر ما في ذلك شك، مدعياً كان أو مدعى عليه.

لقد كان منظر فولتير يدل على غير ما يختلج في نفسه، فقد كان الناظر إليه يحسبه سعيداً مغتبطاً، على حين أن فولتير قضى حياته بين عبرة مهراقة، وزفرة مصعدة، بدليل عبارات تقرأ في رسائله. وكان فولتير هزيلاً ناحلاً، وكثيراً ما كان يشكو ألماً في جسمه يقول ان الأطباء لم يهتدوا إليه بعد. فكان يئن في نفس، فتبدو انته على ثغره ابتسامة عذبة هادئة تجتذب إليه النفوس، وقد نعته، فكتور هوجو بالرجل الكئيب الباكي. وفولتير وان كان أكثر الشعب مناصراً له فقد كان له أعداء كثيرون يتسخطون عليه ويتبرمون بكتاباته النارية الحماسية التي كانت إحدى الشرارات الرئيسية التي أضرمت نار الثورة الكبرى من بعد. فكان هؤلاء السادة يجادلونه فلا يقف عن مجادلاتهم، ويغالبونه فلا يفتى عن مغالبتهم، وهو مع ذلك لم يهن، فهم ما كانوا ليزدادوا إلا موجدة عليه، وهو ما كان ليزداد إلا استهزاءً واستخفافاً بهم.

ولما مات لويس الخامس عشر وتربع على العرش لويس السادس عشر كان فولتير في

<<  <  ج:
ص:  >  >>