للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منفاه، فاستأذن الملك الجديد العودة إلى وطنه فإذن له، ولكن بعد ان تهدده الملك وتوعده بالنفي والتشريد إن هو عاد سيرته الأولى. فعاد إلى باريس برفقته كاتبه الخاص. وكانت قد سبقته إليها زوجه والمدام دنس حفيدته التي كان يحبها كثيراً وصديقه المركيز دي فيلت ليعدوا المنزل ويهيئوا المستقر.

وفولتير إذا أتى باريس فقد أشرقت باريس وهب الناس كلهم هبة واحدة محللين فرحين. فلما أن أقبل كانت المحطة مزدحمة بالناس حتى لا مسير. وقد أخذ مخبرو الصحف يكتبون عنه الرسائل المسهبة الطويلة ويصفونه جزءاً جزءاً فقالوا انه اقبل وكان على رأسه قلنسوة أرجوانية صوفية. وانه كان مرتدياً برداء من الفرو المخطط، وانه زار صديقه الحميم القديم (دارجنتال) في شارع (اورسه)، وانه خرج بعد ذلك يقصد منزله، وان الأولاد الصغار إذا رأوا منظره الغريب أخذوا يهتفون بحياته ويصفقون، وانه لما انتهى إلى منزله اخذ الناس يفدون عليه أفواجاً فيستقبلهم بثياب المنزل معتذراً بمرضه.

وحقاً لقد امتلأ المنزل افناؤه وحجراته وأروقته بالناس من جميع الطبقات. فكان فولتير يبسم لهم ويستقبلهم بأحسن ما يستقبل مزور زائراً، وقد قيل انه لم يبق أحد في باريس إلا واقبل يهنئه بالعودة السالمة ويدعو له بطول العمر. وذلك مما دعاه أن يسن دستوراً للزيارة. فأمر حفيدتهأن تقيم في القاعة الكبرى ففعلت تستقبل الزائرين عوضاً عنه وتعتذر لهم بمرضه إلا العظماء منهم فقد كانت تقدمهم إليه فيجالسهم ساعة ثم يعود إلى غرفته يتسلى بالقراء والكتابة. وممن زاره منهم سفير إنكلترا وفرانكلن الشهير وغيرهما، لكن كان يستقبل الكل بثوب المنزل لا يخلعه إلا للنساء فقد كان يجهلن. فلما زارته الكونتيس دي باري لم يشأ أن يبدو إليها بهذا الثوب، فلم يقابلها اولاً، فرجته وألحت في الرجاء، ورجاه أصدقاؤه وألحوا في ذلك أيضاً أن يفعل فاقبل كارهاً متعثراً، فقال له من حوله انك تقول أن ثوب العقل خير من ثوب الجسد فماذا دهاك اليوم؟

ولقد كان الناس يجتمعون حول منزله كل يوم فلا يزالون يهتفون به حتى يخرج إلى النزهة فيركب عجلته فيزدحم الناس من حولها ويقبل بعض المتحمسين يدفعون الناس بمناكبهم يريدون أن يحملوا العجلة فلا يمتنعون حتى يرجوهم فولتير الامتناع شاكراً، لكن وا أسفاه! إن هذه الاستقبالات والمهرجانات أمرضته، ولا سيما حين سمع إن صديقه (لكن)

<<  <  ج:
ص:  >  >>