للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما يلفت النظر في المثلين أن الغلطة في المثل الأول غلطة نقاد مختصين بالتقويم والتقدير في المتاحف العالمية المعدودة، وأن الغلطة في المثل الثاني غلطة جمهور غفير ولكنه هو جمهور الفن على كل حال.

فما الذي يفهم من هذين المثلين؟

لا يفهم منهما أن ذوق الفن حظ شائع بين سواد الناس، ولا أنه ذوق خاص بالعلية في عصر واحد.

فكيف يقال إذا إن (الفن عام) وإنه تراث عالمي أو تراث إنساني يقاس بمقياس الإنسانية جمعاء؟.

إنما يقال هذا بمعنى واحد لا معنى سواه.

وهو أن الفن (عام) بمعنى أنه للخاصة في جميع الأزمان وليس للخاصة في زمن واحد أو بيئة واحدة.

فإذا كان كذلك كان (إنسانياً) وكان عاماً بهذا المعنى دون غيره، لأن اتفاق الخاصة على استحسانه في كل زمن هو الدليل على أنه قائم على المزايا الإنسانية التي تنال بالفطرة المهذبة، ولا ترجع إلى الأسباب الموقوتة التي ترفع إلى منزلة الخاصة أحياناً في بعض العصور من لا يستحقون التمييز والترجيح.

فإذا كان العمل يروق الخاصة في بعض العصور ولا يروق الخواص في العصور الأخرى فذلك هو الدليل القاطع على أنه لا يروقهم لمزية إنسانية باقية، ولكنه يروقهم لسبب من سببين عارضين: أحدهما أن نزوة من النزوات التي تطغي على العقول والأذواق في بعض الأحوال قد طغت على أولئك الخاصة فأضلتهم عن سواء السبيل، والآخر أنها خاصة مزيفة قد صعدت إلى مكان العلية والسراة لعيب من عيوب المجتمع الذي برزت فيه.

فمن قال إن (الفن عام) لا يصح أن يعني بكلامه هذا أنه خلق للعامة وكل من يعقل أو لا يعقل على السواء، وإنما يستقيم كلامه على وجه واحد وهو أن الفن الرفيع إنساني لأنه يعجب الممتازين من بني الإنسان في جميع العصور.

ونحن نقول العامة والخاصة في مسائل الفن والأدب، ونقصد بهما العامة والخاصة في الأذواق والأخلاق والملكات، ولا نقصد بهما عامة العرف الاجتماعي أو خاصة الأوضاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>