للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتقاليد.

فالغني قد يكون من أحقر العامة في أذواقه وأخلاقه وملكاته، والفقير قد يكون من أرفع الخاصة في تلك المزايا الإنسانية العليا، وقد يكون هو مبدع الآيات الغوالي في الأدب والتصوير والموسيقى والتمثيل كما حدث ويحدث إلى آخر الزمان.

بل نحن نرى أن العامية أوسع نطاقاً من فوارق الغنى والفقر والذكاء والغباء.

فقد يكون الرجل خاصة في الهندسة وعامة في الشعر والكتابة، وقد يكون خاصة في الأدب وعامة في الموسيقى والتصوير، وقد يكون خاصة في فقه اللغة وعامة في أذواق الفنون، وقد يكون خاصة في الخلق والإنتاج وعامة في النقد والشرح والتفسير.

لأن الإنسان الذي يرتقي إلى مرتبة الخاصة في جميع المحاسن الإنسانية غير موجود ولا يتأتى له وجود.

والمقصود على هذا بخواص الفنون والآداب هم أولئك الذين يحسبون فهمها ويملكون وسائلهم وموازين الترجيح فيها.

وعلى هذا الاعتبار يصح أن يقال كما قال أناتول فرانس إن الجمال الفني سهل وإنه على قدر سهولته يكون نصيبه من الجمال.

فأسهل الفنون هو أجمل الفنون.

ولكن ينبغي قبل ذلك أن تسأل: سهل هو على أي الناس؟

فلو كان المقصود أن تكون سهلا على جميع الناس لخرج من الفنون العليا فن المتنبي وأبي العلاء وابن الرومي والبحتري وهو مر وجيتي وشكسبير، وارتقى إلى ذروة هذه الفنون كل نظام من سوقة الجماهير يطربهم بالأزجال والمواويل.

ولكن المقصود بالسهولة هم أولئك الذين استعدوا بفطرتهم وتهذيبهم لفهم الجمال الرفيع في آيات مبدعيه والمعبرين عنه من الشعراء والأدباء والفنانين.

وعلى هذا المعنى أيضاً يقال إن (الفن عام) لأنه يعم كل من تهيأ بفطرته وتهذيبه، وكلاهما من صفات بني الإنسان، وليسا من الصفات المستعارة للآدميين من خارج الحياة الآدمية.

والأمر بعد أوضح من أن يحتاج إلى عناء في إثباته وتمييز صوابه من خطئه.

لآن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الأذكياء أكثر من الأغبياء، وأن أصحاب الأذواق أكثر من

<<  <  ج:
ص:  >  >>