المحرومين منها، وأن دقائق البلاغة وأسرار الجمال أخفى من البلاغة الشائعة والجمال المبذول، وأن الإنسان بالفطرة والتعليم معاً أرجح من الإنسان بالتعليم وحده أو بالفطرة وحدها.
ومع ثبوت هذه الحقيقة واستغنائها عن اللجاجة في إقامة البرهان على صحتها لا تكون الدعوة إلى تجريد الفنون من الخاص والعام، ومن الرفيع والوضيع، إلا مسخاً للمزايا وهبوطاً للصاعدين وتسوية بين الذي هو أدنى والذي هو خير.
ولم نر قوياً وهب له الله الصحة يتمارض لأن في الخلق مرضى وضعفاء.
ولم نر ذكياً رفيع الذهن يحرم على نفسه الارتفاع إلى ذراه لأن في الخلق أغبياء لا يطاولونه إذا ارتفع ذلك الارتفاع.
ولم نر صحيحاً موفور الاشتهاء للمآكل أكل الممعودين، لأن الممعودين لا يهضمون كل ما يهضم من الطعام.
فلماذا نحرم على النوابغ والموهوبين أن يفكروا في شيء لا يقوى على التفكير فيه من حرموا النبوغ وهبات الخلق والابتكار؟
ألان الطعام أرفع وأكمل من الذوق والفكر والشعور؟ ألان الارتفاع والامتياز حرام والشيء الوحيد المباح هو الانحدار والتساوي بين نزلاء الحضيض؟
ليقل ذلك من ينفعه أن ينحدر الصاعدون، وأن تخلو الدنيا من التفوق والرجحان.
وإذا قالوه فلا سبيل لهم إلى تحقيقه إلا بقوة الحيوان دون قوة الإنسان.
أما الإنسان فهو لا يقول هذا ولا يستريح إلى سماعه، ولا يأبى أن يكون الفن عاماً لا يستأثر به أناس بغير الحق والاستعداد، ولكنه يأبى أن يعم ليسقط فيه الرفيع إلى منزله الوضيع، لأن زواله خير من بقائه على هذه الحال.