للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البشرى المحدود الصغير

وأما الأستاذ عبد المنعم، فيبدو أن ثقته بالذهن كبيرة إلى حد أن يعهد إليه بالأمر كله، ويأتمنه عليه في النهاية!

على أنه كان يكون هناك محل للجدل، لو أنني أخرجت الذهن كلية من المجال، ولكنني لم أرد هذا، وليس في كتابي ما يدل على أنني أردته، وقد نقلت منه في كلماتي الماضية نصوصاً كثيرة، ثم قرأه الكثيرون أيضاً، ولست أعتقد أن أحداً من القراء قد فهم أنني أطرد الذهن من الحلبة؛ إنما أنا أضع الذهن في مكانه المناسب، فلا أغفله إغفالا في مجال العقيدة، ولكنني كذلك لا أتجاوز به هذا المكان المحدود

وأحب أن أصحح هنا وهماً صححته من قبل في الكتاب في هذه الفقرات:

(كانت وظيفته القرآن إذن أن ينشئ هذه العقيدة الخالصة المجردة - عقيدة التوحيد - وموطن العقيدة الخالد هو الضمير الوجدان - موطن كل عقيدة لا العقيدة الدينية وحدها - وأقرب الطرق إلى الضمير هو البداهة، وأقرب الطرق إلى الوجدان هو الحس. وما الذهن في هذا المجال إلا منفذ واحد من منافذ كثيرة، وليس على أية حال أوسع المنافذ ولا أصدقها ولا أقربها طريقاً.

(وبعض الناس يكبرون من قيمة هذا الذهن في هذه الأيام بعد ما فتن الناس بآثار الذهن في المخترعات والمصنوعات والكشوف وبعض البسطاء من أهل الدين تبهره هذه الفتنة فيؤمن بها، ويحاول أن يدعم الدين بتطبيق نظرياته عل قواعد المنطق الذهني أن التجريب العلمي!

(إن هؤلاء - في اعتقادي - يرفعون الذهن إلى آفاق فوق آفاقه. فالذهن الإنساني خليق بأن يدع للمجهول حصته، وأن يحسب له حسابه. لا يدعو إلى هذا مجرد القداسة الدينية. ولكن يدعو إليه اتساع الآفاق النفسية، وتفتح منافذ المعرفة. (فالمعقول) في عالم الذهن، و (المحسوس) في تجارب العلم، وليس كل (المعروف) في عالم النفس. وما الفكر الإنساني - لا الذهن وحده - إلا كوة واحدة من كوى النفس الكثيرة. ولن يغلق إنسان على نفسه هذه المنافذ، إلا وفي نفسه ضيق، وفي قواه انحسار، لا يصلح بهما للحكم في هذه الشئون الكبار).

<<  <  ج:
ص:  >  >>