في تجديدها كثيرا وخابوا في نقل الثقافة إليها لأنها كانت قد انحطت بإهمالها زمنا طويلا.
ولقد كان الفرس البويهيون يحكمون بلاد الخلافة حتى بغداد عاصمة الدولة العباسية.
ويعنينا هنا أمر آخر أهم من كل ما تقدم هو أن العصبية الفارسية حملت الفرس على أن يحافظوا على كل ما هو فارسي، ويؤثروه على كل ما هو عربي ومن ذلك ديانتهم المجوسية القديمة التي تفرقت إلى نحل مختلفة قبل ظهور الإسلام.
ما من شك في أن كثيرا منهم قد دخلوا في الإسلام مخلصين واعتنقوه عن إيمان، واستطاعوا إلى حد بعيد أن يتخلوا عن ديانتهم القديمة، ولكن مما لا شك فيه أن كثير منهم أيضاً أبطنوا المجوسية وأظهروا الإسلام وأسباب ذلك كثيرة لا يعنينا هنا الكلام فيها. وما من شك في أن كثيرين دخلوا في الإسلام مخلصين ولكنهم لم يستطيعوا التخلي عن الميراث الذي تركته في عقولهم الديانة القديمة، وما من شك في أن كثيرا منهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام ولا بالديانة القديمة في قلوبهم ولكنهم تمسكوا بالديانة القديمة لأنها ميراث لهم قديم يدفعهم وقوف العرب بمفاخرهم أمامهم إلى التمسك به، فقد اعتبر العرب أنفسهم جيلا يمتاز على سائر الأجيال، ووضعوا أنفسهم في موضع سام، ووضعوا كل من عداهم في موضع وضيع، وسموا أنفسهم العرب، وسموا كل من عداهم العجم، وأظهروا مفاخرهم يتحدون بها العجم جميعا، وبرز لهم العجم فتحدوهم بمفاخرهم، وكثر احتكاك هؤلاء بهؤلاء في كل مكان وامتدت الملاحاة والمفاخرة حتى عاب العجم على العرب مثلا إمساك خطبائهم بالعصا، ورد ممن كانوا في صف العرب عليهم ذلك فعدوه مفخرة، وكثرت مجالس المناظرة بين العرب والموالي ولا سيما الفرس للأسباب السابقة، ولما كان للفرس من سلطان في أيام العباسيين وكان الفريقان يتبادلان الاحتقار والتفاخر، وظهر ذلك على ألسنة الشعراء والعلماء، فألف كثير من الفرس الكتب في مثالب العرب، وأول من شجع على ذلك الخلفاء والأمراء والعرب أنفسهم، فنحن نعلم أن العصبيات القبلية العربية التي نجح النبي في إسكانها قد بدأت تظهر بعده ولا سيما في الدولة الأموية، واستدعى هذا أن يطلب الخلفاء وأتباعهم من علماء الأنساب تأليف الكتب في مثالب القبائل العربية التي كانت تناهضهم، وكتب المفاخر في مفاخر القبائل التي تناصرها، فلما برزت الشعوبية لمناهضة العربية وجدت في كتب المثالب أصولا تحتذيها في الطعن على العرب متفرقين