ومن تميم ومن قيس ولِفٌّهماَ؟ ... ليس الأعاريب عند الله من أحد!)
فقوله: (ليس الأعاريب عند الله من أحد) طعن صريح في العرب جميعا: ولو مضينا في الاستشهاد بشعره على ما تقول لضاق المكان، وما دمنا بصدد الموضوع خاص فلنضرب صفحا عن الشواهد، وحسبنا هذا الشاهد.
فهذا الطعن الصريح وغبره وليد العصبية الفارسية عند أبي نواس ومن عاصره من الموالي، وكان عصرهم عصر انتصار للفرس على العرب، فتمكنوا في التصريح برأيهم حتى في بلاط الخلفاء والأمراء العرب، ووافق ذلك ميلا في مزاج أبي نواس وأمثاله المستهترين الذين لا يحفلون بسنن العرف والأخلاق فجروا في هذا المضمار شوطا بعيدا.
وأصرح من بشار وأبي نواس قول الموبد:
(أنا ابن المكارم من آل جم ... وطالب إرث ملوك العجم
فقل لبني هاشم أجمعين: ... هلموا إلى الخلع قبل الندم
وعودوا إلى أرضكم بالحجاز ... وأكل الضباب ورعي الغنم)
وقول أبي سعيد الرستمي:
(بهاليل غر من ذؤابة فارس ... إذا انتسبوا لا من عرينة أو عُكْلِ
هموا راضة الدنيا وسادة أهلها ... إذا افتخروا لاراضة الشاة والإبل
ودون أولئك أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي الذي أسلم على يد أستاذه الشريف الرضي فحسن إسلامه، وظل بعد إسلامه حتى مات دون أن يظهر منه ما يدل على حنينه إلى ديانته القديمة (المجوسية)؛ فهو - على الرغم من إسلامه، وصلته القوية بالشريف الرضي - لم ينس أنه فارسي، وأن قومه الفرس كان لهم مجد أعظم حتى من مجد العرب، وأن ليس للعرب فضل إلا الدين، وإليك أبياته المشهورة التي تغنى في زماننا:
(أعجبت بي بين نادي قومها ... (أم سعد) فمضت تسأل بي
سرها ما علمت من خلقي ... فأرادت علمها ما حسبي
لا تخالي نسبا يخفضني ... أنا من يرضيك عند النسب
قومي استولوا على الدهر فتى ... ومشوا فوق رءوس الحقب
عمموا بالشمس هاماتهم ... وبنوا أبياتهم بالشهب