- ثمت شيء يثير حيرتي وتساؤلي! كيف تسنى لك أن تدلف إلى هنا مع أن الباب مقفل؟! أتسلقت الحائط!؟ ما أظن ذلك فأنت هرم، فأنت آخر من أتي هذا العمل!.
- لست أدري! أيها الرفيق. . . لست أدري كيف أتيت إلى هنا. . . لعمري إنها مشكلة. . . رحماك يا رب. . . لا بد أن الشيطان مس عقلي، ألست حارس المقبرة أيها الرفيق؟
- بلى. . .
- أنت وحدك تقوم بحراسة كل هذه المقبرة؟!
وارتفعت حينئذ ريح عاصف كادت أن تنتزعهما من مكانهما فلما هدأت حدتها عاود الحارس حديثه مجيباً:
- إنا هنا ثلاثة رجال: واحد مضطجع في فراشه محموم، والآخر مستغرق في نومه، ونحن الاثنين نتبادل الحراسة. . .
- حسن. . . آه، يالها من ريح عاصف يكاد أن يسمع صفيرها الأموات في قبورهم. . . إنها تزأر كالوحوش الكاسرة. . . آه. . . آه. . .
- ولكن من أين أتيت إلى هنا؟
- كنت عند صديق في إقليم (فولجدا) على مبعدة من هنا. . . إني أتجول من مكان إلى آخر حيث أصلي وأعظ. . . اغفر لي يا إلهي. . .
توقف الحارس هنيهة ليشعل غليونه، وقام الرجل العجوز بينه وبين الريح. . . وأبرق عود الثقاب على المطربة التي يسلكانها واستقر شعاعه على بعض أحجار القبر التي إلى جانبهما؛ فأشعل العود الثاني فتألق ضوؤه ثم خبا على حين فجأة. . . أما العود الثالث فألقى بشعاعه إلى اليمين وإلى الشمال، فتمكن من إشعال غليونه قال الرجل الغريب:
- إن الراحلين راقدون. . . الراحلين الأعزاء. . . أنهم يرقدون سواسية لا فرق بين غني وفقير، حكيم وأحمق، قوى وضعيف، إنهم على حال واحد الآن. . . وكذلك سيمكثون إلى أن ينفخ في الصور وتبعث الأموات من القبور. . . أن هذه الحياة الدنيا لفانية مضمحلة أما الحياة الأخرى فخالدة سرمدية. فقال الحارس في جلال:
- نعم. . . إننا لنسير في هذا المكان الآن، وبعد حقبة تطوينا هذه الأرض فنصبح نسياً