وقد تعجبت في مستهل هذه الكلمة لغرور الإنسان، وأنا اختمها بالتعجب من المرأة؛ فقد رأيت اجمل امرأة أخذتها عيني في حياتي: تتأبط ذراع هذا الغوريللا، ويثنى إليه محياها الصبيح وهو ينضج بشراً وابتهاجا، وفي عينيها وميض الحب، وقد خيل إلي، وأنا انظر إليهما كأنها تشتهى أن تأكله!
وقد سلم على يومئذ بغير استخفاف، وبغير استخفاف كذلك. ولم يتمهل إلا ريثما يهز يدي، ويسألني عن صحتي، كعادته كلما لقيني، ولم يستعجل أيضاً، ولم أرى على وجهه ولا في سلوكه ما يدل على انه مزهو بمصاحبة هذه الحسناء الفاتنة. فكأن هذا أمر عادي جداً! فسبحان ربي القادر.
وعلى ذكر التعجب أقول إن عجبي لا ينقضي من عجز الإنسان وجهله. نعم استطاع أن يخترع اللاسلكي مثلا، فهو يرسل الموجة من جهاز فتمضى في الجو إلى أطراف المعمورة، ويلتقطها جهاز أخر فتستحيل كلاما وغناء وموسيقى. وهذه الأجهزة المصنوعة من مواد يستخرجها الإنسان من الأرض التي يعيش عليها، وهو أيضاً مخلوق من طينها، وفي بطنه كل عناصر هذه الأرض، ومع ذلك لم يخطر له أن يحتال حتى يتخذ من بدنه جهازين للإرسال والتلقي، أو أن ينمي قدرته على ذلك، فأن الناس بالنظر إلى حد ما، فماذا يمنع أن يتسع نطاق التفاهم حتى يشمل كل شىء، فيستغني الإنسان عن أداة اللغة التي قل أن يحسنها والتي هي عنوان العجز والقصور؟
وأمر آخر: حطم الإنسان الذرة، وهي لا ترى لا بالعين ولا بالمجهر. أطلق بتحطيمها قوة مهولة مفزعة، استخدمها أول ما استخدمها في التدمير، وسيستخدمها - إذا لم تقض عليه قبل ذلك - في التعمير. وما من شك في أن في الإنسان طاقات محبوسة أو مستكنة أو راكدة لو أطلقت بحساب وقدر - حتى لا تعصف به - لبلغ من القوة والاقتدار درجة يعجز الخيال عن تصورها. ولكنه لا يفعل، ولعل العلماء الذين حطموا الذرة لم يخطر لهم أن يعالجوا القيام بشيء من التحطيم في جسم الإنسان، وقد يحتاج ذلك إلى زمان طويل، وقد يستغرق الاهتداء إلى وسيلة مأمونة إلى تحطيم ذرات الإنسان وإطلاق طاقاتها بقدر إلى قرن أو اكثر، ولكن ما قرن إذا قيس إلى هذه الغاية التي تقلب الإنسان مارداً جبارا؟