للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

٢ - أن يكون في الطبيعة فكرة أو (مثال)، هذا الموجود تحقيق له (لأن الطبيعة لا تحدث شيئاً بغير علم).

٣ - أن يكون ثم (نزوع) إلى تحقيق المثال. فالقدرة والمعرفة والإرادة هي مبادئ الوجود النسبي. ومجموع هذه المبادئ، أو (بالأحرى) الوحدة العليا التي تحويها، هي الله. فالله هو القدرة المطلقة، والمعرفة المطلقة، والإرادة أو المحبة المطلقة. وللمخلوقات أيضاً قدرة وإرادة وإدراك، وحظوظها من هذه الصفات تتفاوت بتفاوت قربها بمصدر الأشياء فإن الكون نظام متدرج ينتظم العالم العقلي أو الملائكي أو الميتافيزيقي (الملائكة، والنفس العام، والنفوس الخالدة) والعالم السرمدي أو الرياضي؛ والعالم الزمني أو الجسماني. وكل هذه العوالم - حتى العالم الجسماني نفسه - تشارك في المطلق، وتعكس عناصر الماهوية الثلاثة: القدرة والمعرفة والإرادة.

كل موجود فإنما يصدر عن الكائن المطلق ويسعى إلى الرجوع إليه. وبهذا المعنى يصح أن نقول إن الموجودات المتناهية كلها بلا استثناء (تحب) الله؛ كلها دينة؛ كلها تسعى إلى أن تحيا حياة الخالق اللانهائية؛ كلها تفزع من اللاوجود، وبما أنها جميعاً تحمل في نفسها اللاوجود بالإضافة إلى الوجود، فكلها تحب الله أكثر من ذاتها أن الدين ظاهرة كلية، مصدرها توقف الأشياء كلها على الكائن المطلق؛ وإن علم الدين أو اللاهوت ليسمو على الفلسفة سمو الله على الإنسان.

بالرغم من كل هذا الذي سلمه كمبانلا للكاثوليكية، وبالرغم من رسالته الموسومة (بالإحاد المنتصر)، كانت محاولاته في الإصلاح موضع ريبة الكنيسة، فلم يتحقق منه شيء. وقد يئست الفلسفة بعد أن تظفر بمزيد من التقدم في إيطاليا؛ فتراها من ذلك الوقت تقيم في البلدان التي أنارها أو حررها الإصلاح الديني: في إنجلترا، وعلى ضفتي الراين.

(بغداد)

عبد الكريم الناصري

<<  <  ج:
ص:  >  >>