والسلوى وظلل عليهم الغمام ولكنهم يئسوا من هذه النعم وملوها وقالوا يا موسى (لن يصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها). ومات هرون في التيه ومات موسى ومات جيلهم القديم فلم يكن من الناشئة إلا كما كان من آبائهم؛ أمروا أن يدخلوا (أريحاء) فدخلوها ولكنهم بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم.
ولعل من أولى مواقف بنى إسرائيل بان نهديه إلى يهود اليوم ما كان منهم مع نبيهم صموئيل (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لهم لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا؛ قالوا أو ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا؟ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليهم بالظالمين). ولو ذهبنا نتتبع جميع مساوئهم لطال بنا القول فنجتزئ بهذا القدر ففيه بلاغ. ولكن يبدو هنا سؤال وهو إذا كان بنو إسرائيل بهذه الأخلاق فكيف اختارهم الله؟ والجواب عند سيدنا موسى على ما ذكرته التوارة: لا تظنوا أن الله سيأتي بكم إلى الأرض المقدسة بسبب قداستكم وطهارتكم وأنكم أفضل الناس في طاعته. كلا. فإنه إنما يطرد الأمم أمامكم لرداءتهم ورجسهم العظيمين.