العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم. وإذ فرقنا بكم البحر فنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وانتم تنظرون). وكانت هذه نعمة عظيمة لو أنفقوا أعمارهم ساجدين لله شكراً ما وفوها حقها، لكن نفوسهم الخبيثة أبت إلا أن تستعلن فما كادوا يعبرون البحر حتى نسوا ما كانوا فيه وجحدوا نعمة الله عليهم وطلبوا إلها غير الله يعبدونه (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) وعجبت لموسى أن يكون معهم هذه المرة لطيفاً هادئاً وأن يجادلهم بالمنطق ويدعوهم بالتي هي أحسن (قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين) وسكنوا إلى حين وخضعوا على دخن، فلما سنحت لهم الفرصة نهزوها فما كاد موسى يذهب لمناجاة ربه حتى صنعوا من حليهم عجلا يعبدون، وعبثاً حاول هرون أن يردهم قال (يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فأتعبوني وأطيعوا أمري. قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى). (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي، أعجلتم أمر ربكم، وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجروا إليه، قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين).
وهنا نرى عجيبة من أكبر عجائبهم، وذلك أن موسى نخلهم واختار منهم سبعين رجلاً ليتوبوا إلى الله من عبادة العجل، وكان الظن بهم أن يكونوا بررة أطهاراً، ولشد ما دهش موسى حينما قالوا له (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) فندد بهم القرآن، وجعلها مخزاة في أعقابهم (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) ووبخ للعرب لما حاولوا يعنتوا مع النبي (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل، ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ظل سواء السبيل) ثم أخذ موسى يشرح لهم ما في الألواح ويعرض عليهم شريعته، ولكن رأى من كفرهم وعنادهم ما جعل الله تعالى يريهم آية من آية (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون). وكان من شأنه بعد ذلك ما ذكرته في (الرسالة) سابقاً من دعوة موسى لهم إلى دخول الأرض المقدسة ونكولهم عنها وخوفهم من سكانها فحرمت عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض. وهناك في التيه انزل الله عليهم المن