اعتمد (التتاري) الأعمى إلى جدع الشجرة من أشجار التوت، وراح يقص واحدة من تلك الأساطير التي سطرتها الذكريات في عقله عن شبه الجزيرة القوم. . . والتف حوله حشد من (التتار) في بردهم الموشاة المفوفة، ومطارفهم الزاهية المخلبة. . . وقرت فوق رؤوسهم قلانس مطرزة بالذهب. . .
وقد جلسوا على أحجار دارسة، وأطلال بالية، كانت حيناً قائمة في جدران قصر فاخر لسلطان من السلاطين القدماء.
كانت الشمس تنحدر نحو مستقرها في البحر، فتبعث أشعتها الجاهدة الكليلة وقد راحت تخترق ستور الظلام. . . وتبعث بحلكته، وتميس بين أوراق الطحلب فتخلع عليها روعة وبهاء، وتسيطر على الأطلال فتبعث فيها شيئاً من الرهبة والوراء. . .
وبرحت الريح رخاء تداعب غصون الأشجار، وتصاول الأوراق فيسمع لها حفيف وزفيف. . . وكأن صوت الرجل ينبعث واهناً فيه بعض من الاختلاج والاضطراب؛ أما وجهه فكالصخر جامد لا ينم تجعده على شيء سوى الراحة والهدوء. وانسابت الألفاظ من لسانه حيناً، ومن قلبه أحياناً تعيد لسامعيه صورة جلية للأيام الخالية العامرة بالهناء.
ولم يلبث أن قال في صوت جليل، وجرس ندى:
(زعموا انه عاش في شبه الجزيرة القزم سلطان يقال له. . . (مسيلمة الأسراب) وكان له ولد يدعى (توليق الجلي).
كان هذا السلطان كهلا، يبد أن قصره ضم كثيراً من النساء اللواتي عشقن السلطان الكهل. . . فما زال جسده يمور قوة ونشاطاً، ولا زالت نفسه تمور مرحاً وشباباً. . . وما برحت النساء يعشقن ذا القوة والبأس.! إذ يقال أن الجمال يكمن في ثنايا القوة. . . لا تحت الأظافر الناعمة والوجنات الأسيلة المخضبة. . .
كن جميعاً يعشقن السلطان، ولكن السلطان ينصرف عنهن إلى ظبية سباها في حرب له مع (القوزاق) عند مروج النهر (الدنيبر). . . وكان يخص هذه الفتاة بجل حبه وعطفه وحنانه وينفر عن نسائه وجواريه وقد نيفن على الثلثمائة من كل فج وبلد. نسوة منهن العذراء والخود والبضة، والعطبول والغيداء والغانية والرقراقة إلى غير ذلك. . . كانت كل منهن