أفاقت من نعاسها، تفتحت عيناها على وجنتيها الورديتين فكأنهما زهرتان من أزهار الأقحوان. . .
لم تبصر (التوليق) ولكنها مدت شفتيها الأرجوانيتين إلى السلطان
- قبلني، يا نسري العزيز. فقال السلطان في رقة:
- انهضي. . . ينبغي أن تأتي معنا. . .
ووقع طرفها على (الجلي)، والدمع يتألق محبوساً في عينيه. . . فما أسرع ما أدركت، وفهمت كل شيء. . . وقالت:
- هه. . . سآتي. . . سآتي. . . ليس لواحد منكما. . . أليس هذا مبتغاكما؟ وما قر عليه أمركما. . . للقلوب القاسية أن تقرر وعلى النفوس الضعيفة الواهنة أن تطيع. . . سآتي معكما. . .
وأنطلق ثلاثتهم شطر البحر في صمت وسكون. . . سلكوا في سبيلهم مسالك ضيقة، والريح لها صوت كعواء لبن آوى. . .
كانت الفتاة نحيلة الجسد، هيفاء القد. . . فما أسرع ما أدركها الوهن والعناء؛ ولكن كانت تعاني هذا في صمت، ولا يند عنها ما ينم عليه. . . وإذا لمح ابن السلطان ما اعتراها - وكان يسير إثرهما - أسر لها (أأنت خائفة؟!)
فلمعت عيناها، وأشارت إلى قدميها الداميتين. . . فقال وهو يمد ذراعيه إليها (دعيني أحملك!)
بيد أنها نفرت منه إلى عنق نسرها العجوز. . . فرفعها السلطان كالريشة حاملاً إياها. . . بينما راحت تثني أغصان الأشجار وتزيحها من أمام وجهه
وطال المسير. . . وأخيراً طرق أسماعهم صوت البحر وهو يهدر ويزمجر على مبعدة منهم. . . قال (توليق) موجهاً الحديث لأبيه (دعني أمض أمامك) وإلا حدثني نفسي الأمارة بالسوء أن أغمد خنجري في ظهرك)
- أمض. . . كما تشاء. . . إن الله سيغفر خطيئتك هذه. . . ويعفو عن إساءتك. . . فقد غفرت لك وعفوت عنك، إني لأعرف ما هو الحب يا بني!
وأخيراً أبصروا البحر يجثم تحتهم. . . كانت صخرتهم سامقة والظلام يسربلها. . . الظلام