الذي ليس له حد ولا نهاية؛ وراحت الأمواج تهدر بألحان الموت وهو يسري بين الصخور. . . وقد أخفاها الظلام يحفه القر والخوف.
قال السلطان بعد أن طبع على ثغرة الفتاة قبلة حارة (وداعاً). وقال (الجليّ) وهو يحني هامته لها (وداعاً. . .).
ألقت الفتاة بطرفها إلى ما تحتها حيث صخب الموج يردد ألحان الرهبة والجلال. . . فضمت يديها إلى صدرها وقالت في هلع وفرَقَ (اقذفا بي. . .)
فمد (توليق) يديه إليها وهو يئن ويتأوه. . . ولكن السلطان أخذها بين ساعديه وضمها إلى صدره وقبلها ثانية. . . ثم رففهما فوق رأسه وألقى بها من الصخرة الشاهقة إلى واد سحيق. . . وارتفعت ألحان الموج. . . ألحان الموت. . . أجل رهبة وأشد فزعاً. . . ولم يسمع للفتاة صيحة وهي تلقى في الماء، أو تلقى حتفها على الصخور.
وتهالك السلطان على نشز وراح يحملق في الظلام يحاول بطرفه يخترق سجف الليل. . . سجف الغيب. . . وما برحت الأمواج تلطم الصخور في جنون وهوج. . . والريح تهب عاصفة في أعقاب موكب الموت. . . تعبث بلحية السلطان العجوز.
وجلس (توليق) جواره وقد دفن وجهه بين راحتيه، لا يتحرك ولا ينبس. . . وكأنه الصخر. . .
وتقضي الوقت والسحب يطارد بعضها بعضاً في جو السماء. . . شاعت الكآبة في ثنايا الظلام الرهيب المهيب، وكأنها تلك الأفكار التي راحت تطوف سوداء بخاطر ذلك العجوز. . . وهو جاثم على هامة الصخرة السامقة، ومن تحته البحر يهدر في وادِ عميق. . . قال (توليق):
- (يا أبت. . . دعنا نمض. . .).
فنبس السلطان همساً، وكأنه يتوجس نبأة تسري في الهواء:(مهلاً) وعاد الوقت يمضي، والأمواج تتلاطم في عبث وجنون من تحتها والريح تصفر بين الأشجار كعواء ابن آوى. . . وعاد الابن يردد عبارته، فردد السلطان إجابته. . . وكان هذا التردد مراراً. . . كأن السلطان لا يبرح مكانه. . . وقد قبر فيه بهجته ومراحه. . . وأيامه الخوالي. . .
بيد أن لكل شيء نهاية، فلم يلبث السلطان أن قام نشيطاً، ولكن عابس الوجه، مقطب