ونسيج الموسلين ونحن نشهد إقامة الأنوال والمناسج في إنجلترا وأمريكا وغيرهما كما نشهد زراعة القطن في المساحات الواسعة في دلتا المسيسبي ودلتا النيل وغيرهما.
وكل ما قيل بصدد الصوف والقطن يقال بالنسبة لباقي المصنوعات من آلات حتى المواد الغذائية وغيرها.
هذا ولا ريب أن نقل المواد الأولية من الأقطار البعيدة إلى الأقطار الصناعية ثم توزيعها مصنوعة إلى البلاد الأخرى يقتضي تحسين طرق المواصلات البحرية والبرية، ولها نرى منذ منتصف القرن التاسع عشر بناء السفن التجارية فضلاً عن مد خطوط السكك الحديدية والخطوط التلغرافية كما ترون العمل على تحسين طرق المواصلات الجوية والوصول بها إلى أوجها - كل هذا جعل الكرة الأرضية معروفة اليوم بسكانها ومعادنها وحاصلاتها؛ فإذا بسطنا خريطة جغرافية رسمت قبل اختراع الآلات وجدنا مساحات واسعة مؤشرا عليها بما يدل على إنها مجهولة لنا كحوض الأمازون ووسط أفريقيا وأستراليا نفسها، أما اليوم فقد اكتشفت الأرض جميع ما تملك وعمل على استغلال كل ما بها بل أصبحت بلاد العالم مرتبطا بعضها ببعض وتأثر بعض الأمكنة بما يحدث في الأخرى
فإذا ما ظهرت دودة القطن في مصر، أو نزل الصقيع على محصول بأمريكا، أو حدث إضراب العمال في المصانع الإنجليزية هبطت أسهم شركات النسيج أو نقصت أثمان الصوف تبعاً لهذا.
كذلك إذا ما حدث اضطراب في وسائل النقل واضطربت حياة الشعوب والأمم، فقد رأينا كندا في الحرب الماضية تستخدم القمح كوقود لأفرانها بينما كانت شعوب أوربا لا تجد الخبز بغير البطاقات بشق الأنفس.
والخلاصة من هذا كله أن التطور الصناعي خلق أسواقا عالمية سواء لأجل استيراد المواد الأولية أو لتصريف المنتجات الصناعية وأن هذه الحالة تقتضي طبعا المزاحمة الأجنبية فلا يتسنى بسبب هذا الترابط الاقتصادي لأية أمة أن تستهلك وحدها كل محصولها أو كل منتجاتها فهي مضطرة أن تبحث عن أسواق للفائض عن حاجتها وتتخذ لهذا الغرض إجراءات داخلية تأخذ شكل الحواجز الجمركية، وإجراءات خارجية تأخذ شكل المعاهدات التجارية في صيغة (أولى الدول بالمراعاة) فإذا ما تصادمت مصلحة دولتين في كل هذه