للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأخبار.

تجمعت إذن لدى الرواة والعلماء طائفة عظيمة من الأشعار والأخبار، ضمنوها ما خلفوه لنا من آثار. وهي طائفة فيها الدلالة كل الدلالة على نوع الحياة التي كان يحياها الجاهليون، وعلى النزعات التي كانت تعمل في نفوسهم. وليس من همنا هنا أن نفصل القول في صحة نسبتها أو انتحالها؛ إنما نرجع القارئ إلى ما قدمناه من أن طبيعة الرواية الشفهية وقصور الواعية الإنسانية قد أديا إلى زيادة أشياء وسقوط أشياء وأبدل فيه شيء من شيء. أعان على هذا ما تمتاز به اللغة العربية من كثرة المترادفات، وهو ما قد يؤدي إلى إبدال كلمات من كلمات. وأعان على هذا أيضاً أن القصيدة الجاهلية مهلهلة النسج مقلقلة الوضع، وهو ما قد يؤدي إلى سقوط بيت أو جملة أبيات أو إلى وضعها في غير موضعها. كذلك قد نجد في قصيدة واحدة أبياتاً لشعراء مختلفين، لم يؤلف بينهم إلا اتفاق الوزن والقافية. هذه كلها وجوه لما لحق الشعر الجاهلي من زيادة وحذف وتغيير. ثم لا ننسى أن من الرواة من كان يعتمد الحذف والتغيير. ودليلنا على هذا قلة ما نلقاه فيما لدينا من الشعر من أسماء الآلهة الجاهلية؛ وهي آلهة كانت تشغل جانباً من حياة الجاهليين، وكان لها صدى ولا شك في أشعارهم. ثم هناك من الرواة من كان يُصلح ما يصل إليه من أشعار، ويزيد عليه مُكمِّلا. هذا إلى ما يقوله ابن سلام (ص ٢٢) من أنه لما راجعت العرب رواية الشعر وذكر أيامها ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعراءهم وما ذهب من ذكر وقائعهم؛ وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم، وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على السن شعراءهم. وأخيراً نصل إلى من كان يقصد الخداع من الرواة، فكان ينحل شعره الشعراء القدماء، ليشتهر بين الناس بكثرة الرواية؛ ويقول في هذا ابن سلام (ص ٢٢ - ٢٣) (. . . ثم كانت الرواة بعد، فزادوا في الأشعار. وليس يشكل على أهم العلم زيادة ذلك ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل بهم أن يقول الرجل من أهل بادية من ولد الشعراء أو الرجل ليس من ولدهم، فيشكل ذلك بعض الإشكال). فهذه وجوه أخرى لما لحق الشعر الجاهلي من زيادة وحذف وتغيير وانتحال.

هذه صورة للرواية العربية قبل عصر حماد وفي أثناء عصره؛ جهدنا أن تكون واضحة الخطوط، بينة الملامح، صادقة التعبير. وهي صورة ستعيننا دون ريب على تفهم رواية

<<  <  ج:
ص:  >  >>