بعدها، استعدت لها القبائل بكل ما تطيق، حتى إن التاريخ ليذكر لقبيلتين من القبائل فخراً خالداً إذا أخرجتا نساءهما معهما، فكان في قبيلة النخع - على ما يذكر الطبري - سبعمائة امرأة لا زوج لها، وفي قبيلة بجيلة ألف امرأة، تزوجن جميعاً في هذه الحرب، وكانت النخع تسمى:(أصهار المهاجرين).
لقد شرع الرسول لمن بعده الاستعانة بالنساء في الجهاد، وأثابهن عليه من الغنائم، ودرج خلفاؤه من بعده على سنته، حتى إذا انقضى عهد الراشدين، وخف علم الناس بالسنة، شك بعضهم في هذه الاستعانة، فكتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله:
(هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء، وهل كان يضرب لهن سهما؟)
فكتب إليه ابن عباس:
(كتبت إلي تسألني: هل كان رسول الله يغزو بالنساء؟ وقد كان يغز بهن فيداوين الجرحى ويحذين (يعطين) من الغنيمة)
كل ما تقدم من استحباب خروج النساء ليشاركن الرجال شرف الجهاد وهو في حال الفتح والهجوم، حين يكون الجهاد فرض كفاية على الرجال أنفسهم؛ فأما إذا انعكس الأمر وهاجم العدو بلاد المسلمين أو احتلها، فحينئذ يصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ذكراً كان أم أنثى، لا يستثني من هذا الفرض صبي ولا امرأة ولا رجل.
ونصوص الفقهاء - إزاء هذه الحالة - متضافرة على أنه يجب المرأة أن تخرج للقتال بلا إذن زوجها
وبذلك يصبح التكليف والوجوب بدرجة واحدة على الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيد (يوم كان العبيد بعض الناس) لا يستأذن أحد أحداً في تأدية هذا الواجب
من شأن السياسة المزالق الخفية والأخطار الكامنة، فهي على المرأة حرام صيانة للمجتمع من التخبط وسوء المنقلب؛ أما الجهاد فطريق لأحبة عواقبها مأمونة وفوائدها مضمونة، فللمرأة أن تنال من هذا الشرف نصيبها الأوفى
ليتنا في غمراتنا اليوم نسترشد بتجارب الماضي، ونسير غير متخبطين: نبصر مواطئ أقدامنا ونتقي المزالق ونجند كلا في ميدانه الذي لا يصلح لغيره. لقد تداعت علينا الأمم وطمع فينا حتى (الصهاينة) من شذاذ الآفاق، وغزينا في أخلاقنا وبلادنا وأموالنا. . .